صِيغَتَا التَّعَجُّبِ وإعرابهما
بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْـدَ مَـا تَعَجُّبـَا أَوْ جِئْ بـأَفْعِلْ قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا
وَتِلْوَ أَفْعَـلَ انْصِبَنَّهُ كَـ مَـا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْـدِقْ بِهِمَـا
صيغتا للتعجّب القياسيَة و السَمَاعِيّة
للتّعجب صِيغتان قِيَاسِيَّتان , هما: ما أَفْعَلَهُ ! وأَفْعِلْ بِهِ ! ، نحو قوله تعالى:( قتل الإنسان ما أكفره) ، وقوله تعالى :( واسمع بهم وأبصر) ، ونحو قول الناظم : ما أَوْفَى خَلِيلَيْنَا ! ، ونحو : أَصْدِقْ بِهِمَا ! .
وللتعجب أساليب سَمَاعيّة , منها : سبحانَ اللهِ ! للهِ دَرُّه فارساً ! , والاستفهام المقصود منه التعجّب , كما في قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله...) إلخ .
أعراب صِيغتي التّعجّب و معنى كلّ صِيغة منهما :
إعراب الصيغة الأولى , ومثالها : مَا أَحْسَنَ زيداً !
ما : اسم تعجُّب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ .
أحسنَ : فعل ماضٍ مبني على الفتح , والفاعل : ضمير مستتر وجوباً ، تقديره
( هو ) يعود إلى ( ما ) والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر ( ما ) .
زيداً : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة .
ومعنى هذه الصَّيغة : شيءٌ أحسنَ زيداً ( أي : جَعله حَسَناً ) .
إعراب الصّيغة الثانية , ومثالها : أَحْسِنْ بزيدٍ !
أحسنْ : فعل أمر للتَّعجّب مبني على السكون .
بزيدٍ : الباء حرف جر زائد مبني على الكسر , وزيدٍ : فاعل مرفوع بضمة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي حركة حرف الجر الزائد . والمعنى : صار زيدٌ ذا حُسْنٍ .
وهناك إعراب آخر - وهو مشهور عند البصريين - وهو :
أحسنْ : فعل ماضٍ جاء على صيغة الأمر .
بزيدٍ : الباء حرف جر زائد , وزيدٍ : فاعل مرفوع بضمة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي حركة حرف الجر الزائد .
والمعنى : حَسُنَ زيدٌ ( أي : صار ذا حُسْنٍ ) .
وإنَما حوّلوا الفعل إلى صورة الأمر ؛ ليكون بصورة الإنشاء , ولماَّ كان فعل الأمر لا يأتي فاعله اسما ظاهرا زادوا (الباء) ليكون الفاعل على صورة الفَضْلة ، فيكون فاعلا محلاً. * أما الكوفيون فيعربونه هكذا :
أحسنْ : فعل أمر مبني على السكون , والفاعل : ضمير مستتر تقديره : أنت .
( وفي عَوْدِ الضمير خِلاف ) .
بزيد : الباء حرف جر زائد , وزيدٍ : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي حركة حرف الجر الزائد .
والمعنى : يا حُسْنُ أَحْسِنْ بزيدٍ ( أي احْكُمْ بِحُسْنِه ) .
آراء العلماء في نوع ( ما ) التعجبيّة واذكر ما يترتّب على ذلك من اختلاف في المعنى والإعراب .
1- سيبويه : يرى أنها نكرة تامَّة ، بمعنى : شيء .
والنكرة التَّامة , هي : التي لا تحتاج إلى ما بعدها ليكون صفة لها .
وعلى هذا الرأي تكون ( ما ) مبتدأ , والجملة بعدها خبر عنها . والمعنى : شيءٌ أحسنَ زيداً ( أي جعله حسنا ) .
2- الأخفش : يرى أنها معرفة ناقصة ، بمعنى : الذي (أي : إنها اسم موصول) يحتاج إلى ما بعده ليكون صلة ، وعلى هذا تكون ( ما ) مبتدأ , والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها صلة الموصول , والخبر محذوف ، والتقدير : الذي أحسنَ زيداً شيءٌ عظيمٌ , وهذا هو المعنى .
3- الفَرَّاء , وابن دَرَسْتَويه : يريان أنها استفهاميّة , ونُقِل ذلك عن الكوفيين .
وعلى هذا تكون ( ما ) مبتدأ , والجملة بعدها خبر عنها ، والمعنى : أيُّ شيءٍ أحسنَ زيداً ؟
4- قول آخر للأخفش : يرى أنها نكرة ناقصة ( أي: تحتاج إلى ما بعدها ليكون صفة لها ) وعلى هذا تكون ( ما ) مبتدأ , والجملة بعدها صفة لها ,
والخبر محذوف , والتقدير : شيءٌ أحسنَ زيداً عظيمٌ .
الدليل على فِعْلية صيغتي التّعجب ؟
اسْتُدِلَّ على فعلية ( ما أَفْعَلَ ) بلزوم نون الوقاية له إذا اتّصلت به ياء المتكلم , نحو : ما أَفْقَرني إلى عفو الله .
واسْتُدِلَّ على فعلية ( أَفْعِلْ ) بدخول نون التوكيد عليه , كقول الشاعر :
ومُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ غَضْبَى صُرَيْمَةً فَأَحْرِ بِـهِ مِنْ طُولِ فَقْرٍ وأَحْرِيَـا
الشاهد فيه : أحريا , فقد أكَّد الشاعر صيغة التَّعجب بالنون الخفيفة , ثم أبدل النون ألفا في الوقف ، والأصل : وأَحْرِيَنْ .
ومعلوم أنّ نون الوقاية , ونون التوكيد تختصان بالأفعال .
حكم حذف المتعجَّب منه :-
وَحَذْفَ مَـا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ
حكم حذف المتعجَّب منه و شرط حذفه :
يجوز حذف المتعجَّب منه في كلا صيغتي التعجُّب (ما أفْعَلَه ، وأَفْعِلْ بِهِ) بشرط أنْ يدلّ عليه دليل . وهذا معنى قوله:" إن كان عند الحذف معناه يَضِح" ( أي : معناه يتَّضِحْ ) .
فمثال الحذف في صيغة ما أفعله , قول الشاعر :
أَرَى أُمَّ عَمْرٍو دَمْعُهَا قَدْ تَحَدَّرَا بُكَاءً على عَمْرٍو وما كَانَ أَصْبَرَا
فحذف الشاعر المتعجَّب منه , وهو الضمير ، والتقدير : وما كان أصبرها ؛ وقد جاز حذفه لدلاله ما قبله عليه , وهو : أم عمرٍو .
ومثال حذف صيغة أَفْعِلْ به , قوله تعالى : والتقدير
- والله تعالى أعلم - وأبصر بهم , فحذف المتعجب منه ( بهم ) لدلالة ما قبله عليه ؛ وذلك لأن ( أبصر ) معطوف على ( أسمعْ بهم ) وقد ذُكر المتعجب منه؛ ولذلك يرى جماعة من النحاة أنه يكثر حذف المتعجّب منه في صيغة (أفعل به) إذا كان معطوفا على مِثله قد ذُكِر معه المتعجّب منه , كما في الآية السابقة .
حكمُ تَصَرُّفِ فعلي التَّعجُّبِ :-
وَفى كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْمـاً لَزِمَـا مَنْـعُ تَصَرُّفٍ بِحُكْمٍ حُتِمَـا
حكم تصرُّف فعلي التّعجّب :
فعلا التّعجّب لا يتصرفان , بل يلزم كلٌّ منهما صيغة واحدة فلا يُستعمل من ( ما أَفْعَلَه ) غير الماضي , ولا يُستعمل من ( أَفْعِلْ به ) غير الأمر ، وهذا بالإجماع .
شروطُ صِيَاغَةِ فِعْلَي التَّعَجُّبِ :
وَصُغْهُمَا مِنْ ذِى ثَلاَثٍ صُرَّفَـا قَابِلِ فَضْلٍ تَمَّ غَيْرِ ذِى انْتِفَـا
وَغَيْرِ ذِى وَصْفٍ يُضَاهِى أَشْهَلاَ وَغَـيْرِ سَـالِكٍ سَبِيلَ فُعِـلاَ
شروط صياغة فعلي التعجب ؟
يُشترط في الفعل الذي يُصاغ منه فعلا التعجب سبعة شروط , إذا تحقَّقَت تُعُجَّبَ من الفعل مباشرة , وإذا لم يتحقَّق شرط منها أَتَيْنَا بفعل آخَر تتحقَّق فيه الشروط ,أما الشروط السَّبعة , فهي :
1- أن يكون الفعل ثلاثياً , فلا يُصَاغان من غير الثلاثي المجرَّد , كدحرج , وانطلق , واستخرج .
2- أن يكون مُتصرَّفا , فلا يُصَاغان من فعل جامد ,كنِعْم , وبئس , وعسى , وليس .
3- أن يكون معناه قابلا لِلْمُفَاضَلَة , فلا يصاغان من نحو : مات ، وفَنِيَ , وغَرِقَ , وعَمِيَ ، ونحوها ؛ لأنها غير قابلة للمُفَاضَلَة ، فالموت واحد , وكذلك الفَنَاء , والغَرَق ، والعَمَى .
4- أن يكون تامّا , فلا يُصَاغان من الفعل النَّاقص , ككان وأخواتها. وأجازه الكوفيون ؛ يقولون : ما أَكْوَنَ زيداً قائماً ! .
5- أن يكون مُثْبَتاً , فلا يصاغان من الفعل المنفيّ سواء أكان ملازما للنّفي , أم غير مُلازم . فمثال الفعل الملازم للنّفي : ماعَاجَ فلانٌ بالدَّواء ( أي ما انْتَفَعَ به ) فالفعل ( عاج ) الذي مضارعه ( يَعِيجُ ) ملازم للنفي في أغلب أحواله لا يُفارقه إلا نادراً .
ومثال غير الملازم للنفي : ما ضربتُ زيداً . فالفعل (ضرب) يُستعمل في النّفي ، كما في المثال , ويُستعمل بغير النّفي كثيراً ؛ تقول : ضربتُ زيداً .
6- ألاَّ يكون الوَصْفُ منه على وزن أَفْعَلَ الذي مؤنثه فَعْلاَءُ , فلا يُصاغان من الأفعال الدَّالَّة على الألوان , كسَوِدَ , وحَمِرَ ؛ لأن الوصف منها يكون على وزن أَفْعَلَ ومؤنثه فَعْلاَءُ ؛ تقول : أَسْوَدُ سَوْدَاءُ , وأَحْمَرُ حَمْرَاءُ ؛ ولا يصاغان
من الأفعال الدالة على العُيوب ,كحَوِلَ ,وعَوِرَ ؛ لأن الوصف منها على أَفْعَلَ فَعْلاَءَ ؛ تقول : أَحْوَلُ حَوْلاَءُ , وأَعْوَرُ عَوْرَاءُ .
7- أن يكون مبنياً للمعلوم , فلا يصاغان من الفعل المبني للمجهول ,كضُرِبَ , ويُضْرَبُ ؛ احترازاً من اللَّبس . فإذا صُغْتَه من المبني للمجهول (ضُرِبَ) فقلت : ما أَضْرَبَ زيداً , الْتَبَسَ الأمر على السَّامع فلا يَدري أتتعجَّبُ من أنه ضارب أم مضروب ؟ ويجوز ذلك إنْ أُمن اللَّبس , كأن يُصاغ من الفعل الذي لا يأتي إلا مبنيّا للمجهول , نحو : زُهِيَ علينا , وعُنِيْتُ بالأمرِ ؛ فتقول : ما أَزْهَاهُ علينا ! وما أَعْنَاهُ بالأمرِ ! .
وإليك الآن بعض الأمثلة لأفعال تحققت فيها الشروط :
1- ما أَعْدَلَ القَاضِي ! فالفعل ( عَدَل ) ثلاثي , تامٌّ , مُثبت , مبني للمعلوم , متصرَّف , ليس الوصف منه على ( أَفْعَل ) قابل للمُفاضلة ؛ لأن العَدْل في النَّاس ليس بدرجة واحدة .
2- ما أَنْقَى الماءَ ! 3- ما أَوْفَى خليلَنا ! 4- أَصْدِقْ بأبي بكرٍ ! .
كَيْفِيَّة التعجب من الفعل الذي لم تتحقَّق فيه الشروط :
وَأَشْـدِدَ أَوْ أَشَـدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوطِ عَدِمَا
وَمَصْـدَرُ العَادِمِ بَعْـدُ يَنْتَصِبْ وَبَعْـدَ أَفْعِلْ جَرُّهُ بِالْبَـا يَجِبْ
التعجَّب من الفعل الذي لم تتحقَّق فيه الشروط :
الفعل الذي لم تتحقَّق فيه الشروط يُتَوصَّل إلى التعجُّب منه بفعل آخر تتحقَّق فيه الشروط , كَـ ( أَشْدِدْ , أو أَشَدَّ ) ونحوهما ، ويُؤتى بعده بمصدر الفعل الذي لم تتحقّق فيه الشروط , ويكون منصوبا بعد ( أَفْعَلَ ) على أنه مفعول به , ويُجَرُّ بعد ( أَفْعِلْ ) بالباء . فإذا أردت التعجّب من الفعل الرباعي
( دحرج ) أو الثلاثي المزيد ( استخرج ) أو ما دلّ على عيب ( عَوِر ) أو دلّ على لون ( حَمِرَ ) قُلْتَ : ما أشدَّ دحرجتَه واستخراجَه! وأَشددْ بدحرجتِه واستخراجِه ! وما أَقْبَحَ عَوَرَهُ , وأقبحْ بعورِهِ ! وما أَكْثَرَ حُمْرَتَهُ , وأَكْثِرْ بِحُمْرَتِهِ !
* إذا كان الفعل منفيا ، أو مبنيا للمجهول أُتِيَ بمصدرهما مُؤولاً , نحو : ما أقبحَ أنْ يُعاقبَ البَرِئُ ! وما أضرَّ أنْ لا يَصْدُقَ التاجرُ ! .
ويجوز في غيرهما أن يكون المصدر صريحا ، أو مُؤولا , نحو : ما أحسنَ إيمانَه ! وما أحسنَ أنْ يُؤمِنَ ! ونحو : ما أجملَ احْمِرَارَه ! وما أجملَ أن يَحْمَرَّ ! . *
حكم ما ورد التعجُّب منه مع عدم تحقّق الشروط فيه :
وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَـا ذُكِرْ وَلاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِى مِنْهُ أُثِـرْ
حكم ما ورد التعجّب منه مع أنّ الشروط لم تتحقَّق فيه :
الفعل الذي لم تتحقّق فيه الشروط وسُمِعَ من كلام العرب التعجّب منه حُكِم عليه بالنُّدُور ( نَادِر ) ولا يُقاس على ما سُمِع منه , وذلك كقولهم :
ما أَخْصَرَهُ ! مع أنّ الفعل ثلاثي مزيد , ومبني للمجهول , وهو ( اُخْتُصِرَ ) وكقولهم : ما أَحْمَقَهُ ! مع أنّ الوصف منه على (أَفْعَل) تقول : حَمِقَ : أَحْمَقُ . وكقولهم : ما أَعْسَاهُ , وأَعْسِ بِه ! مع أن الفعل ( عسى ) جامد غير متصرَّف . وهذا كلُّه نادر لا يُقاس عليه .
حكم تقديم معمول فِعل التّعجّب عليه وحكم الفصل بينهما :
وَفِعْلُ هَذَا البَـابِ لَنْ يُقَدَّمَـا مَعْمُولُهُ وَوَصْـلَهُ بِمَـا الْزَمَـا
وَفَصْلُهُ بظَرْفٍ أَوْ بِحَـرْفِ جَـرْ مُسْتَعْمَلٌ وَالْخُلْفُ فى ذَاَكَ اسْتَقَرّْ
حكم تقديم معمول فعل التعجب عليه :
لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه ؛ فلا تقول : زيداً ما أَحْسَنَ , ولا : ما زيداً أحسنَ , ولا : بزيدِ أَحْسِنْ ؛ ذلك لأنّ فعل التعجّب جامد غير متصرف , والفعل الجامد ضعيف في ذاته لا يتصرّف في نفسه ولذلك لا يتصرّف في معموله لا بتقديمه عليه ، ولا بالفصل بينه وبين معموله .
حكم الفصل بين فعل التعجب ومعموله :
لا يجوز الفصل بين فعل التعجب ، ومعموله بأجنبيّ غير مُتعلّق بفعل التعجب , ولا صِلة له به , بل يجب الوصل بينهما . ففي قولنا : ما أحسنَ مُعطيَك الدرهمَ ! وما أحسنَ مارًّا بزيدٍ ! وما أحسنَ جالساً عندك ! لا يجوز أنْ تقول فيها: ما أحسنَ الدرهمَ معطيك ، ولا : ما أحسنَ بزيدٍ مارًّا , ولا :
ما أحسنَ عندك جالساً ؛ وذلك لأن الفاصلَ أجنبيٌّ غير متعلّق بفعل التعجب , فالدرهم متعلّق بـ (معطيك) فهو مفعول ثانٍ له ,ولا علاقة له بفعل التعجب ,
وكذلك الجار والمجرور ( بزيد ) متعلق بالفعل ( مارًّا ) ولا علاقة له بفعل التعجب , وكذلك بالنسبة للظرف ( عندك ) أمّا إذا كان الظرف ، أو المجرور غير أجنبيٍّ ( أي : متعلق بفعل التعجب نفسه ) ففي الفصل بينهما خلاف . والمشهور الجواز , خلافاً للأخفش ، والمبرَّد ، ومن وافقهما .
ونُسِب مَنْعُ الفصلِ إلى سيبويه . ومما ورد فيه الفصل في النثر ، قول عمرو بن مَعْد ِيكَرِب : " للهِ دَرُّ بني سُلَيْمٍ ما أَحْسَنَ في الْهَيْجَاءِ لِقَاءَها , وأَكْرَمَ في اللَّزَبَاتِ عَطَاءَها , وأَثْبَتَ في الْمَكْرُمَاتِ بَقَاءَها "، فقد فَصل بين فعل التعجب ، ومعموله بالجار والمجرور ( في الهيجاء , وفي اللزبات , وفي المكرمات ) .
ومن ذلك قول عليًّ رضي الله عنه وقد مرّ بعمَّار فمسحَ الترابَ عن وجهه :
" أَعْزِزْ عَلَيَّ أبا اليَقْظَانِ أنْ أَرَاكَ صَرِيعاً مُجَدًّلاً " فقد فصل بين فعل التعجب
( أعززْ ) ومعموله المصدر المؤول ( أنْ أراك ) بالمجرور ، والنداء ( عليَّ أبا اليقظان ) وهذا يدلّ على جواز الفصل بالنداء أيضاً .
ومما ورد الفصل بينهما في الشعر ، قول الشاعر :
وَقَالَ نَبِيُّ الْمُسْلِمِـينَ تَقَـدَّمُوا وأَحْبِبْ إِلَيْنَا أنْ تَكُونَ الْمُقَدَّمَا
فقد فصل الشاعر بين فعل التعجب (أحببْ) ومعموله المصدر المؤول (أن تكون) بالمجرور (إلينا) ومن ذلك قول الآخر :
خَلِيلَيَّ مَاأَحْرَى بِذِى اللُّبَّ أَنْ يُرَى صَبُوراً ولَكِنْ لا سَبِيلَ إلى الصَّـبْرِ
فقد فصل الشاعر بين فعل التعجب (أحرى) ومعموله المصدر المؤول (أن يرى) بالمجرور ( بذى اللُّبِّ ) والسَّبب في جواز الفصل أنَّ الجار والمجرور في كل ما سبق متعلَّق بفعل التعجب لا بمعموله .