من علم البديع تجاهل العارف
تجاهل العارف الباغي فقال له ... أمعجز ما نرى أم سحر مجترم
تجاهل العارف هو كما سماه السكاكي: سوق المعلوم مساق غيره لنكتة. قال: ولا أحب تسميته بالتجاهل, لوروده في كلام الله تعالى.
والتسمية الأولى لابن المعتز, وخصه بعضهم بأن يكون على طريق التشبيه, ليوهم أن شدة التشبيه بين المشبه
ألمع برق سرى أم ضوء مصباح ... أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي
فإنه يعلم أن الابتسام غير لمع البرق وضوء المصباح, لكنه لما قصد المبالغة في وصفه باللمعان والضياء, استفهم استفهام من لا يعلم, حتى كأنه من شدة الشبه بينهما التبس عليه أحدهما بالآخر, والمشهور الأول, أعني سوق المعلوم مساق المجهول, سواء كان على طريق التشبيه أو غيره, لكن لا بد له من نكتة, كالمبالغة في المدح, أو الذم, أو التعظيم, أو التحقير؛ أو التوبيخ؛ أو التقرير؛ أو التدله؛ أو التعريض, أو غير ذلك.
قال التفتازاني: ونكت التجاهل أكثر من أن يضبطها العالم.
فمما ورد منه للمبالغة في المدح قول حسان بن ثابت:
أنسيم ريقك أخت آل العنبر ... هذا أم استنشأته من مجمر
وبديد ثغرك ما أرى أم لمحة ... من بارق أم معدن من جوهر
وقول مهيار الديلمي رحمه الله وفيه التعظيم والتدله:
أمن بابل أم من نواظرك السحر ... أمن حانة أم من مراشفك الخمر
وهل ما أراه أم حادث النوى ... وهل هو شوق بين جنبي أم جمر
سلوا بعدكم وادي الحمى ما أساله ... دمي أم دموع العاشقين أم القطر
وقول ظافر بن القاسم الحداد:
يا أيها الرشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حب القلوب نفاذه
در يلوح بفيك من نظامه ... خمر يجول عليه من نباذه
وقناة ذاك القد كيف تقومت=وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه
بالله يا ظَبَياتِ القاعِ قُلنَ لَنا *** لَيْلايَ منكنَّ أم لَيْلى من البَشَرِ؟
تَجاهُل العارِف
ومثلُه في تَجاهُل العارِف:
أيا ظَبيةَ الوَعساءِ بين جُلاجِلٍ *** وبينَ النَّقا أأنتِ أم أمُّ سالِمِ؟
جَهَّلا نَفْسَيْهما حَتّى لا يُفرِّقا بين ظَبيةِ الوَحشِ وبين المرأة (ليلى-أمّ سالِم)
وأوهَما السامعَ أنّه أشكلَ عليْهما المُسمّى باسمِ الظّبية على وجه الحَقيقَة،
(انظر البديع في نقد الشعر، والتبيان في علم البيان لابن الزملكاني)