📁 آخر الأخبار

الاقتضاب والإسهاب

بين الاقتضاب والإسهاب

لكل شيء ظاهر -وهو الصورة-، وباطن -وهو الحقيقة-

والتشاغل بصور الأشياء دون حقائقها إما أن يكون عجزا، وإما أن بكون غفلة وجهلا، واللبيب من نفذ إلى الحقائق، ولم تشغله الصور عن المكامن.

والكلام شيء من الأشياء، له ظاهر، ولهذا الظاهر حقيقة تحتاج إلى تفصيل بحسب الأحوال.

ومراعاة حال الناس في إظهار الحقائق بتفاصيلها، أو إجمالها والإيماء إليها= هو عين الفهم والعقل.

وقد قالوا قديما: البلاغة مراعاة مقتضى الحال.

والحال -كما تعلم- يدخل فيه حال المخاطَب، فلا يستوي خطاب الذكي مع خطاب البليد، وخطاب العالم مع خطاب الجاهل، وخطاب المتيقن مع خطاب الشاك ... إلخ.

ولذلك تجد كلام الأوائل قليل الإسهاب، لأن الحال قديما غير الحال الآن،

ومن سفاهة بعض قومنا إساءة الظن بالأوائل لأن كلامهم قليل، وتعليلاتهم غير صريحة لأحكامهم استحسانا واستهجانا،

وإنما كان ذلك من الأوائل لعدم وجود مقتضى تشقيق الكلام، والتدليل على الأحكام، فجُلُّ المتلقين يفهمون الإيماء، وتغنيهم الإشارة في خفاء.

أما اليوم وقد فشى الجهل، وعمت البلوى، فالإظهار أولى، والتدليل بكل سبيل هو عين البلاغة، إذ انقلبت الآية، وأصبح جُلُّ المتلقين لا يفقهون الإيماء، ولا تغنيهم الإشارة عن الإسهاب في العبارة.

-إلا من بقايا، في خبايا الزوايا، بهم تُحفظ الرسوم والعلوم-

تعليقات