الاستطراد في علم البديع
أجروا سوابق دمعي في محبتهم ... واستطردوها كخيل يوم مزدحم
الاستطراد في اللغة: مصدر استطراد الفارس لقرنه، إذا طرد فرسه بين يديه، يوهمه الفرار، ثم يعطف عليه على غرة منه، وهو ضرب من المكيدة. وفي الاصطلاح، هو أن يكون الناظم أو الناثر آخذاً في غرض من أغراض الكلام، من غزل أو مدح أو وصف أو غير ذلك، فيخرج منه إلى غرض آخر.
وقال ابن أبي الحديد: الاستطراد، هو أن تخرج بعد تمهيد ما تريد أن تمهده إلى الأمر الذي تروم ذكره، فتذكره وكأنك غير قاصد لذكره بالذات، بل قد حصل ووقع ذكره بالعرض من غير قصد، ثم تدعه وتتركه وتعود إلى الأمر الذي كنت في تمهيده كالمقبل عليه وكالملغي لما استطردت بذكره.
امثلة الاستطراد في علم البديع
فمن ذلك قول البحتري وهو يصف فرساً:
واغر في الزمن البهيم محجل ... قد رحت منه على أغر محجلِ
كالهيكل المبني إلا أنه ... في الحسن جاء كصورة في هيكلِ
يهوي كما هوت العقاب وقد رأت ... صيداً وينتصب انتصاب الأجدل
ما إن يعوف قذى ولو أوردته ... يوماً خلائق حمدوية الأحول
ذنب كما سحب الرشاء يذب عن ... عرف وعرفه كالقناع المسبل
جذلان ينفض عذرة في غرة ... يفقٍ تسيل حجولها في جندل
كالرائح النشوان أكثر مشية ... عرضاً على السنن البعيد الأطول
هزج الصهيل كأن في نغماته ... نبرات معبد في الثقيل الأول
ملك القلوب فإن بدا أعطيته ... نظر المحب إلى الحبيب المقبل
ألا تراه كيف استطرد بذكر حمدويه الأحول الكاتب، وكأنه لم يقصد لذلك ولا أراده، وإنما جرته القافية، ثم ترك ذكره وعاد إلى وصف الفرس ولو أقسم إنسان أنه ما بنى القصيدة منذ افتتحها إلا على ذكره، ولذلك أتى بها على روي اللام لكان صادقاً، فهذا هو الاستطراد. ومن الفرق بينه وبين التخلص، أنك في التخلص متى شرعت في ذكر الممدوح أو المهجو تركت ما كنت فيه من قبل بالكلية، وأقبلت على ما تخلصت إليه من المديح والهجاء بيتاً بعد بيت حتى تنقضي القصيدة. وفي الاستطراد يمر ذكر الأمر الذي استطردت به مروراً كالبرق الخاطف، ثم تتركه وتنساه وتعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك، وإنما عرض عروضاً، لم يقصد بذكر الأول التوصل إليه، ثم يعود إلى ما كان فيه، فإن لم يعد فهو تخلص. وهذا هو الفرق بينه وبين المخلص.