📁 آخر الأخبار

التورية وتُسَمّى الإِيهام

 التورية

1 - التورية وتُسَمّى "الإِيهام"

التورية: أن يَذكُرَ المتكلّم لفظاً مفرداً له معنيان، على سبيل الحقيقة، أو على سبيل الحقيقة والمجاز، أحدهما ظاهر قريبٌ يَتَبَادَرُ إلى الذهن وهو غير مراد، والآخَرُ بعيد فيه نوع خفاءٍ وهو المعنى المراد، لكن يُورَّى عنه بالمعنى القريب، لِيَسْبِقَ الذهن إليه ويَتَوهّمَهُ قبل التأمّل، وبَعْدَ التأمّل يَتَنبَّه المتلَقِّي فيُدْرَكُ المعنى الآخر المراد.

وأصل التورية في اللّغة: إرادةُ الشيءٍ وإظهارُ غيره إيهاماً، وقد جاء في كتب السيرة النبويّة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزاة أو سفراً إلى جهةٍ ورَّى بغيرها، ليعمّي الأخبار، حتَّى لا يترصَّد له الأعداء.

قال الزمخشري: لا ترى باباً في البيان أدقَّ ولا ألطف من التورية، ولا أنفع ولا أعْوَنَ على تعاطي تأويل المتشابهات في كلام الله ورسوله منها.

أقسام التورية:

تنقسم التورية إلى ثلاثة أقسام: مجرّدة ومرشحة، ومبيَّنة.

* فالتورية المجرّدة: هي التي لم يقترن بما يلائم المعنى القريب، ولا بما يلائم المعنى البعيد.

* والتورية المرشّحة: هي التي اقترنت بما يلائم المعنى القريب، سواء أكان هذا المقارن قبل اللفظ المستعمل في التورية أو بعده.

* والتورية المبيَّنة: هي التي اقترنت بما يلائم المعنى البعيد المقصود باللّفظ


المثال الأول: قول الله عزَّ وجلَّ في حكاية قول بعض أولاد يعقوب عليه السلام له، حين أخذ يُحِسُّ بريح يوسف عليه السلام، ولم يكن قد وصل البشير إليه يحمل قميصه من مصر، ولم يكن قد علم بما حصل لباقي بنيه في مصر الذين ذهبوا ليطلبوا الإِفراج عن بنيامين شقيق يوسف، فقال الله تعالى في سورة (يوسف/ 12 مصحف/ 53 نزول):

{وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ}.

تُفَنِّدُونِ: تُخَطِّئُوني بأنّي أُحسُّ بإحْسَاسِ من أصابَهُ الخرفُ وضعُفَ رأيُه، فصار يتصوّر تصورات باطلات.

وتلاحظ التورية في عبارتهم: {إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ} فهذه العبارة لها معنيان:

المعنَى الأول القريب الذي أرادا الإِيهام به: هو أنّه ما زال ضالاً مع أوهامه، طعاماً بعد نيف وثلاثين سنة من غياب يوسف في أن يعود إليه أو يلتقي به، وضالاً في شغل نفسه بالحزن عليه حتَّى يكون حرضاً (أي: شديد المرض) أو يكون من الهالكين.

المعنى الثاني البعيد الذي قَصَدُوه: هو أنّه ما زال ضالاً في إيثاره يوسف وشقيقه بنيامين على سائر بنيه، وهذا المعنى هو المعنى الذي كانوا ذكروه قبل أن يُلْقُوه يوسُفَ في غَيابة الجبّ، وقَدْ أبانه الله بقوله في أوائل السّورة.

{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.

والتورية في هذا المثال مجرّدة.

تعليقات