📁 آخر الأخبار

شرح الفية ابن مالك أقسام التنوين وأحكامه

 ‏الدرس الثالث شرح الفية ابن مالك أقسام التنوين وأحكامه 

شرح الفية ابن مالك أقسام التنوين وأحكامه



التنوين1 الذى يعتبره النحاة علامة على أن الكلمة اسم -أنواع؛ أشهرها أربعة؛ هى: تنوين الأمْكَنِيَّة، تنوين التنكير، تنوين التعويض، تنوين المقابلة، 

النوع الأول: تنوين الأمكنية:

ولتوضيحه نقول: إن الأسماء أربعة أقسام:

"أ"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجُمل، ويدخله التنوين فى آخره؛ مثل: علىٌّ، شجرةٌ، عصفورٌ، ... تقول: جاء علىٌّ، برفع آخره وتنوينه ... رأيت عليًّا؛ بنصب آخره وتنوينه. ذهبت إلى علىِّ، بجر آخره وتنوينه ... وكذلك باقى الأسماء السابقة وما يشبهها. وهذا القسم من الأسماء يسمى: "المُعْرَب الْمُنصرف" 

"ب"- قسم تتغير حركة آخره باختلاف موقعه من الجمل، ولكنه لا ينوّن؛ مثل: أحمد، فاطمة، عثمان ... تقول: جاء أحمدُ، رأيت أحمدَ، ذهبت إلى أحمدَ ... وكذلك باقي الأسماء السالفة، وما أشبهها: فإنها لا"‏"تنون، مهما اختلفت العوامل3. وهذا القسم يسمى: "المعرب غير المنصرف"‏"باب خاص يتضمن أسباب منع الاسم من الصرف

"حـ" قسم لا تتغير حركة آخره بتغير التراكيب. ويسمى: المبني لكن"

‏"قد يدخله التنوين أحيانا لغرض. وإليك الإيضاح:

من الأسماء القديمة: خَالَوَيْه، نِفْطَوَيْه، عَمْرَوَيْه، سِيبَويْهِ. وغيرها من أعلام الأشخاص المبنية على الكسر -غالباً- المختومة بكَلمة: "وَيْه". فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هذه الأعلام، وكان معينًا معهودًا بينك وبين من تخاطبه، معروفًا بهذا الاسم، لا تختلط صورته فى الذهن بصورة غيره، فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى المعربة التى يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه؛ مثل: محمد، أو: صالح، أو: محمود، أو: غيرهم1 ...

أما إذا أتيت بالتنوين فى آخر الكلمة فإن المراد يتغير؛ إذ تصير كمن يتحدث عن شخص غير مُعَين، لا يتميز من غيره المشاركين له فى الاسم، فكأنك تتحدث عن رجل أيّ رجل مسمى بهذا الاسم.

ومن الأمثلة أيضًا ما ليس بعلَم، مثل: صَهْ. إيهِ. غاقِ

وهذه الكلمات المبنية وأشباهها تكون منونة حينًا، وغير منونة حينًا آخر5، كأن تسمع شخصًا يتحدث فى أمر"‏"معين لا يرضيك؛ فتقول له: صَهْ، "بسكون الهاء من غير تنوينها". فكأنك تقول له: اسكت عن الكلام فى هذا الأمر الخاص، ولك أن تتكلم فى أمر آخر إن شئت. أما إذا قلت له: صهٍ "بالتنوين" فمرادك: اترك الكلام مطلقًا فى جميع الموضوعات؛ لا فى موضوع معين.

ولو قلت له: "إيهِ" "بالكسر من غير التنوين" لكان المقصود: زدني من الحديث المُعَين الذى تتكلم فيه الآن. ولا تتركه. أما إذا قلت: "إيهٍ" بالتنوين فإن المراد يكون: زدني من حديث أيّ حديث؛ سواء أكان ما نحن فيه أم غيره."

‏"كذلك: صاح الغراب غاقِ "بغير تنوين" فالمراد أنه يصيح صياحًا خاصًّا، فيه تنغيم، أو حزن، أو فزع، أو إطالة ... أما بالتنوين فمعناه مجرد صياح.

فعدم التنوين فى الكلمات المبنية السابقة -وأشباهها- هو الدليل على أنك تريد شيئًا واحدًا معينًا، واضحًا فى ذهنك، معهودًا لك ولمخاطبك؛ سواء أكان ذلك الشيء شخصًا أم غير شخص، والتنوين هو الرمز الدال على أنك تريد شيئًا غير مُعَين بذاته، وإنما هومختلط بين نظائره المماثلة له، ولا يتجه ذهنك إلى واحد منها دون غيره. ويسمون الكلمة التى من النوع الأول الخالي من التنوين: "معرفة"1؛ لأن مدلولها معروف مُعَين. والكلمة التى من النوع الثانى المنَوّن: "نكرة"؛ لأن معناها مُنَكر -أي: شائع- غير معين وغير محدد. ويسمون التنوين الذى يدخلها: "تنوين التنكير" أى: التنوين الذى يدل فى الكلمة المبنية على الشيوع وعدم التعيين؛ ولا يدخل إلا الأسماء المبنية. فهو: "العلامة التى تدل بوجودها على أن الكلمة المبنية نكرة، وتدل بحذفها على أنها معرفة"

‏"د" قسم لا تتغير حركة آخره ولا يدخله التنوين؛ مثل: هؤلاءِ حيثُ ... كمْ ... تقول: جاءَ هؤلاءِ، أبصرتُ هؤلاءِ، انتفعت بهؤلاءِ ... "بالكسر فى كل الحالات، بغير تنوين، فهو مبني، وغير منون".

من التقسيم السابق نعلم أن بعض الأسماء معرب، وبعضها مبني، وأن كل واحد منهما قد يكون منونًا، وقد يكون غير منون.

والقسم الأول: "أ" وحده هوالذى يجتمع فيه الإعراب والتنوين معًا. والنحاة يقررون أن الأصل فى الأسماء أن تكون مُعْربة ومنونة، وأن الأصل فى الحروف وأكثر الأفعال أن تكون مبنية وغير منونة؛"

‏"أكثرها مبني فكلما ابتعد الاسم عن مشابهة الحرف والفعل فى البناء وعدم التنوين كان أكثر أصالة فى الاسمية، وأشدّ تمكنًا.

وبتطبيق هذا على الأقسام الأربعة السالفة يتبين أن القسم الأول أقواها جميعًا فى الاسمية، وأعلاها فى درجتها؛ لأنه لا يشبههما فى شيء؛ فهو مُعرب؛ أما الحروف وأكثر الأفعال فمبنية. وهو منون؛ والتنوين لا يدخل الأفعال ولا الحروف.

ثم يليه فى القوة والأصالة؛ 

القسم الثانى: "ب"؛ لأنه معرب، والحروف وأكثر الأفعال مبنية -كما سبق- لكنه يشبه الأفعال والحروف فى عدم التنوين. ثم يليه القسم الثالث: "حـ" وهوأضعف من القسمين السابقين؛ لبنائه الدائم، ولعدم تنوينه أحيانًا. أما الرابع: "د" فهو أضعف الأقسام كلها؛ لأنه مبني دائمًا، ولا ينون مطلقًا. فاجتمع فى القسم الأول العاملان الدالان على التباعد وعدم المشابهة، أما القسم الثانى فليس فيه إلا عامل واحد؛ لهذا يسمى القسم الأول: "المتمكن الأمكن"، أي: القويّ فى الاسمية، الذى هو أقوى أصالة فيها، وأثبتُ مكانة من غيره. ويسمى التنوين"‏"الذى يلحقه: تنوين "الأمكنية" أو: "الصرْف" ويقولون فى تعريفه: "إنه التنوين الذى يحلق آخر الأسماء المعربة المنصرفة؛ ليدل على خفتها2، وعلى أنها أمكَنُ، وأقوى فى الاسمية من غيرها" كما يسمى القسم الثانى: "المتمكن" فقط. وما عداهما فغير متمكن.

النوع الثانى تنوين التنكير:

وهو"الذى يلحق -فى الأغلب- بعض الأسماء المبنية؛ ليكون وجوده"

‏"دليلًا على أنها نكرة، وحذفه دليلًا على أنها معرفة"1 وهوالذى سبق إيضاحه وشرحه فى القسم الثالث: "حـ" من الأسماء.

النوع الثالث: تنوين التعويض، أوالعِوَض:

من الدواعي ما يقتضي حذف حرف من كلمة، أو حذف كلمة كاملة، أو حذف جملة بتمامها أو أكثر؛ فيحل التنوين محل المحذوف، ويكون عوضًا عنه. فمن أمثلة -حذف الحرف3 ما يأتى:

جدول يسحب اسكانر

فهنا بعض أفعال ثلاثية، أصلية الحروف، أي: لا يحذف منها حرف فى المشتقات المختلفة إلا لداعٍ قويّ، لكن الحرف الأخير من تلك الأفعال"

‏"صار ياء في اسم الفاعل وحذف فى جمع التكسير، وحل مكانه التنوين؛ عِوضًا عنه، فالتنوين المشاهد فى آخر كل جمع مما سبق إنما هو تعويض عن الحرف المحذوف. وعند الإعراب نقول: الكلمة مرفوعة بالضمة على الياء المحذوفة. ومجرورة بفتحة نيابة عن الكسرة فوق الياء المحذوفة. والتنوين الظاهر فى الحالتين عوض عن الياء المحذوفة1."

‏"أما حذف كلمة ومجيء التنوين عوضًا عنها فيكثر بحذف المضاف إليه بعد لفظة: "كل"، أو"بعض"1 -وما فى حكمهما- ومن أمثلته:

قسمت المال بين المستحقين؛ فأعطيت كُلاًّ نصيبه، أي: كل مستحقٍ.

حضرت الضيوف فصافحت كُلاًّ منهم. أي: كل ضيفٍ.

تعجبني الصحف اليومية غير بعضٍ. أي: بعضٍ الصحفِ.

اعتدل الجو أيام الشتاء إلا بعضًا. أي: بعض أيامٍ.

وأما حذف جملة، أو أكثر، ومجيء التنوين عوضًا عنها فإنه يكثر بعد كلمة "إذ"2 المضافة، المسبوقة بكلمة "حين" أو"ساعة" وما أشبههما من ظروف الزمان التي تضاف إلى: "إذْ". ويتضح من الأمثلة الآتية:

جاء الصديق، وكنت "حين إذْ جاء الصديق" غائبًا، جاء الصديق وكنت "حينئذ" غائبًا.

أكرمتني؛ فأثنيت عليك "حين إذ أكرمتني" -أكرمتني فأثنيت عليك "حينئذ".

سابقت، وكان زملاؤك "ساعة إذ سابقتَ" يرجون لك"‏"الفوز، سابقت وكان زملاؤك "ساعتئذٍ" يرجون لك الفوز.

مشيتَ فى الحديقة، وقطفتَ الزهر. وكنتُ "ساعة إذ مشيتَ" وقطفتَ قريبًا منك، أو: وكنت "ساعتئذٍ" قريبًا منك.

سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره، وكنتَ معه وقت "إذ سافر"، وجلس يقرأ ويتكلم"."‏"سافر محمود فى القطار، وجلس يقرأ الصحف، وتكلم مع جاره. وكنت معه "وقتئذ" ...

ومنه قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} .

فقد حذفت -فى الأمثلة السالفة جملة أو أكثر بعد: "إذْ" مباشرة، وجاء التنوين عوضًا عن المحذوف. ولما كانت الذال ساكنة، وكذلك التنوين، حركْنا الذال بالكسر؛ ليمكن النطق والتغلب على اجتماع الساكنين1، ووصلنا كلمة: "إذ" فى الكتابة بما قبلها، عملًا بقواعد رسم الحروف "الإملاء".

مما سبق نعلم أن تنوين العِوض هو: ما يجيء بدلًا من حرف أصلى حذف، أو من كلمة، أو جملة، أو أكثر؛ ليحل محل المحذوف، ويغني عنه.

ومما يجب التنبه له أن هذا التنوين قسم مستقل، أثره الخاص هو: "التعويض" فلا يدل بنفسه على إعراب ولا بناء، ولهذا يدخل فى آخر الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة: أي: يدخل فى آخر الأسماء المعربة والمبنية."


‏النوع الرابع تنوين المقابلة:

إن التنوين حين يلحق آخر الاسم يكون دليلًا على أن ذلك الاسم قد تمّ، واستكمل حروفه، كما فى نحو: محمدٌ مسافرٌ، أمينٌ مهذبٌ، حليمٌ عالمٌ.

لكن أين يذهب التنوين حين تجمع تلك الكلمات جمع مذكر سالمًا فنقول: المحمدون مسافرون، الأمينون مهذبون، الحليمون عالمون؟ لمَ لمْ يبقَ فى الجمع ليدل على ما كان يدل عليه فى المفرد؟

يرى النحاة أنه قد اختفى، وحلت محله النون التى فى آخر الجمع. ولما كانت غير موجودة إلا فى جمع المذكر السالم، دون الجمع المختوم بالألف والتاء"

‏"الزائدتين. "جمع المؤنث السالم وملحقاته" -وكلاهما جمع سلامة- كان من الإنصاف أن يزاد التنوين فى الثاني، ليكون مقابلًا للنون فى جمع المذكر السالم، ويتم التعادل بين الاثنين من هذه الناحية1. ويسمونه لذلك، تنوين المقابلة؛ ويقولون فى تعريفه:

إنه اللاحق لجمع المؤنث السالم؛ ليكون فى مقابلة النون فى جمع المذكر السالم.

إلى هنا انتهى الكلام على أنواع التنوين الخاصة بالاسم وحده.

وهناك أنواع أخرى ليست من علاماته؛ لأنها مشتركة بينه وبين الفعل، والحرف؛ فلا داعي لإثباتها هنا. ولا سيما إذا عرفنا أنها تكاد تكون مقصورة على الشعر دون النثر. فموضوعها المناسب لها هو: "علم الشعر" المسمى: "علم العَروض والقوافي"."


تعليقات