أنواع السجع من حيث الطول والقصر
وللسجع من حيث الطول والقصر أنواع ذكرها العلماء هي:
السجع القصير
وهو السجع الذي تكون فيه السجعة مؤلّفة من عدد ألفاظ قليلة، فكلّما كانت الألفاظ قليلة كان السّجع أفضل، فتستسيغها الأذن لقربها من سمع السامع، وهذا النوع يعد أصعب أنواع السجع وأكثرها وعورةً, وذلك لصعوبته، منه قولهم:
"الحرُّ إذا وعد وفى، وإذا أعان كفى، وإذا ملك عفا"، فقد بنيت الفواصل السّابقة على الفاء في "وفى" و"كفى" و"عفا"، وجميع الجمل السّابقة هي جمل قصيرة.
السجع المتوسط
وهو الذي لا يكون عدد كلماته بين السّجع الطويل والسجع القصير، ومثاله قوله تعالى:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}
ومنه أيضًا ما جاء على لسان بعض الحكماء يوصي ابنه قائلًا:
يا بني لا تزهدنّ في معروف، فإنّ الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب على الشّاهد والغائب، فكم من راغب كان مرغوبًا إليه، وطالب أصبح مطلوبًا ما لديه، ومن يصحب الزمان ير الهوان".
فقد بنيت الجملتان الأولى والثانية على حرف الفاء "معروف" و"صروف"، وبنيت الجملة الرابعة على حرف الباء "نوائب" و "الغائب"، وقد بنيت الجملتان الخامسة والسادسة على حرف الهاء "إليه" و "لديه"، وقد بنيت الجملة الأخيرة على حرف النون "الهوان" و"الزمان" وكلّ من الجمل السّابقة كانت متوسّطة الطّول.
السجع الطويل
هو السجع الذي تكون السجعة فيه مؤلّفة من إحدى عشرة كلمة إلى عشرين، وذلك كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}
فالآية الأولى مبنية على إحدى عشرة كلمة والثانية مبنية على ثلاث عشرة كلمة.
وهكذا قد انقسم السجع بحسب عدد ألفاظه وبحسب كونه متكلّفًا أو غير متكلّفٍ إلى طويلٍ وقصيرٍ ومتوسّطٍ
هل يوجد سجع في القرآن؟
انقسم العلماء إلى فريقين في القول بالسجع في القرآن الكريم،
ففريقٌ أقرّ وجود السّجع وفريقٌ آخر نفى وجوده في القرآن الكريم.
الفريق الذي منع وجوده وأدلته مِن الذين منعوا وجود السجع في القرآن الكريم: الرّماني والقاضي الباقلاني وأبو الحسن الأشعري،
فقد نصّوا على أنّ الفواصل بلاغةٌ والسجع عيبٌ، وذهبوا إلى امتناع كون في القرآن سجع، ورأوا أنّ السجع من أساليب الكلام لدى العرب، ولو أنّ ما جاء في القرآن على هيئة السجع سجعٌ لما كان القرآن معجزًا؛ إذ إنّه يكون بذلك ككلام العرب، والسجع يتبع فيه اللفظ المعنى الذي سيؤديه ففيه تكلّفٌ، أما الكلام غير المسجوع فيذكر اللفظ المناسب للمعنى دون النظر إلى تقفيته، وشتّان بين الاثنين، فلا يمكن أن يكون كلام الله متكلّفًا.
ممّا جعلهم يمنعونه أيضًا إنكار النبي لقول أحدهم الذي كان يسجع به: "أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الأعْرَابِ؟"، فقالوا إنّ هذه النهايات هي فواصل القرآن الكريم؛ لأنها تفصل القرآن الكريم، ولا يمكن استخدام كلمة القافية أو الروي للقرآن؛ إذ نفي الشعر عن القرآن الكريم ينفي عنه ما يتّصل به من قافية وروي.
الفريق الذي أجاز وجوده وأدلته
ترأّس هذا الفريق أبو هلال العسكري ثمّ تبعه ابن الأثير صاحب المثل السائر، فيرى هذا الفريق أنّ القرآن قد نزل بلغة العرب وأساليبهم، وغايته أن تصل رسالته إلى لبّهم وعقلهم، فإن كان السجع مؤثرًا بهم ويفتح آذانهم للحق فإنّه يخاطبهم به،
وأمّا ما قيل عن اختلاف بعض أساليب السجع في القرآن عن أساليب السجع المعروفة فلا مشكلة بذلك؛ إذ لو نُظر إلى بحور الشعر لوُجِدَ أنّها لم تظهر على دفعة واحدة وإنّما جاءت على دفعات،
وأمّا عن نهي النبي عن السجع فقد خصّصه بسجع الأعراب، وفي قولٍ سجع الكهّان، ولو كان النهي عن السجع مطلقًا لما قيّده -صلّى الله عليه وسلّم-.
أيضًا ممّا يدلّ على إجازة النبي للسجع ما جاء من كلامه مسجوعًا، وذلك كقوله: "أَيُّها الناسُ أَفْشُوا السلامَ، وأَطْعِمُوا الطعامَ، وصَلُّوا والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلَامٍ".
فقد بُنيت جميع الجمل السّابقة على حرف الميم، "السلام، الطعام، نيّام، بسلام"، وقد سلك بعض العلماء مسلكًا حسنًا إذ أجازوا إطلاق لفظ السّجع على الفواصل القرآنية عندما يحتاج الأمر إلى ذلك، وذلك في مثل علم البيان مثلًا، والاقتصار على ذكر اللفظ الأعم وهو الفاصلة القرآنية عندما لا تكون هناك حاجة لذلك، وذلك عند تفسير القرآن مثلًا.
وهكذا قد أطلق البعض على الفواصل المتوافقة في القرآن اسم السّجع ورفض البعض الآخر إطلاق السّجع على القرآن، ولكلّ من الفريقين حججه.