الطبقة الثانية من الأجواد
الطبقة الثانية من الأجواد
الحكم بن حنطب
قيل لنصيب بن رباح:
لا، ولكن خرف الكرم، لقد رأيتني ومدحت بن حنطب، فأعطاني ألف دينار ومائة ناقة وأربعمائة شاة.
وسأل أعرابي الحكم بن حنطب، فأعطاه خمسمائة دينار فبكى الأعرابي فقال:
ما يبكيك يا أعرابي؟ لعلك استقللت ما أعطيناك؟ قال:
لا والله، ولكني أبكي لما تأمل الأرض منك، ثم أنشأ يقول:
وكأن آدم حين حان وفاته
***
أوصاك وهو يجود بالحوباء
ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم
***
وكفيت آدم عيلة الأبناء
العتبي قال:
أخبرني رجل من أهل منبج، قال:
قدم علينا الحكم بن حنطب، وهو مملق فأغنانا. قال:
كيف أغناكم وهو مملق؟ قال:
علمنا المكارم فعاد غنينا على فقيرنا.
معن بن زائدة
وكان يقال فيه:
حدث عن البحر ولا حرج، وحدث عن معن ولا حرج. وأتاه رجل يسأله أن يحمله، فقال:
يا غلام، أعطه فرساً وبرذوناً وبغلاً وعيراً وبعيراً وجارية، وقال:
لو عرفت مركوباً غير هؤلاء لأعطيتك.
العتبي قال:
لما قدم معن بن زائدة البصرة واجتمع إليه الناس، أتاه مروان بن أبي حفصة أخذ بعضادتي الباب، فأنشده شعره الذي قال فيه:
فما أحجم الأعداء عنك بقية
***
عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا
له راحتان الحتف والجود فيهما
***
أبى الله إلا أن يضر وينفعا
يزيد بن المهلب
وكان هشام بن حسان إذ ذكره قال:
والله إن كانت السفن لتجري في جوده.
وقيل ليزيد بن المهلب:
مالك لا تبني داراً؟ قال:
منزلي دار الإمارة أو الحبس.
ولما أتى يزيد بن عبد الملك برأس يزيد بن المهلب نال منه بعض جلسائه، فقال له:
مه! إن يزيد بن المهلب طلب جسيماً، وركب عظيماً، ومات كريماً.
ودخل الفرزدق على يزيد بن المهلب في الحبس فأنشده:
صح في قيدك السماحة والجو
***
د وفك العناة والإفضال
قال:
أتمدحني وأنا في هذه الحال؟ قال:
أصبتك رخيصاً فاشتريتك. فأمر له بعشرة آلاف.
وقال سليمان بن عبد الملك لموسى بن نصير:
اغرم ديتك خمسين مرة. قال:
ليس عندي ما أغرم. قال:
والله لتغر من ديتك مائة مرة. قال يزيد بن المهلب:
أنا أغرمها عنه يا أمير المؤمنين. قال:
اغرم، فغرمها عنه مائة ألف.
العتبي قال:
أخبرني عوانة قال:
استعمل الوليد بن عبد الملك عثمان بن حيان المري على المدينة وأمره بالغلظة على أهل الظنة، فلما استخلف سليمان أخذه بألفي ألف درهم. فاجتمعت القيسية في ذلك، فتحملوا شطرها وضاقوا ذرعاً بالشطر الثاني، ووافق ذلك استعمال سليمان يزيد بن المهلب على العراق. فقال عمر بن هبيرة:
عليكم بيزيد بن المهلب فما لها أحد غيره. فتحملوا إلى يزيد وفيهم عمر بن هبيرة، والقعقاع بن حبيب، والهذيل بن زفر بن الحارث، وانتهوا إلى رواق يزيد. قال يحيى بن أقتل - وكان حاجباً ليزيد بن المهلب، وكان رجلاً من الأزد - :
فاستأذنت لهم، فخرج يزيد إلى الرواق فقرب ورحب، ثم دعاء بالغداء، فأتوا بطعام، ما أنكروا منه أكثر مما عرفوا. فلما تغدوا، تكلم عثمان بن حيان وكان لساناً مفوهاً وقال:
زادك الله في توفيقك أيها الأمير، إن الوليد بن عبد الملك وجهني إلى المدينة عاملاً عليها، وأمرني بالغلظة على أهل الظنة وصخذ عليهم، وإن سليمان أغرمني غرماً، والله ما يسعه مالي ولا تحمله طاقتي، فأتيناك لتحمل من هذا المال ما خف عليك، وما بقي والله ثقيل علي. ثم تكلم كل منهم بما حضره، وقد اختصرنا كلامهم، فقال يزيد بن المهلب:
مرحباً بكم وأهلاً، إن خير المال ما قضيت فيه الحقوق، وحملت به المغارم. وإنما لي من المال ما فضل عن إخواني، وأيم الله، لو علمت أن أحداً أملأ بحاجتكم مني لهديتكم إليه، فاحتكموا وأكثروا. فقال عثمان بن حيان:
النصف، أصلح الله الأمير. قال:
نعم وكرامة، اغدوا على مالكم فخذوه. فشكروا له وقاموا فخرجوا. فلما صاروا على باب السرادق، قال عمر بن هبيرة:
قبح الله رأيكم، والله ما يبالي يزيد أنصفها تحمل أم كلها، فمن لكم بالنصف الباقي؟ قال القوم:
هذا والله لرأي. وسمع يزيد مناجاتهم، فقال لحاجبه:
انظر يا يحيى إن كان بقي على القوم شيء فليرجعوا. فرجعوا إليه. وقالوا:
أقلنا. قال:
قد فعلت. قالوا:
فإن رأيت أن تحملها كلها فأنت أهلها، وإن أبيت فما لها أحد غيرك. قال:
قد فعلت. وغدا يزيد بن المهلب إلى سليمان. فقال:
يا أمير المؤمنين أتاني عثمان بن حيان وأصحابه، قال:
أمسك في المال؟ قال:
نعم. قال سليمان:
والله لآخذنه منهم. قال يزيد:
إني قد حملته. قال:
فأده. قال يزيد:
والله ما حملته إلا لأؤديه، ثم قال:
يا أمير المؤمنين، إن هذه الحمالة وإن عظم خطبها، فحمدها والله أعظم منها، ويدي مبسوطة بيدك. فابسطها لسؤالها. ثم غدا يزيد بالمال على الخزان فدفعه إليهم. فدخلوا على سليمان فأخبروه بقبض المال. فقال:
وفت يمين سليمان، احملوا إلى أبي خالد ماله:
فقال عدي ابن الرقاع العاملي:
والله علينا من رأى كحمالة
***
تحملها كبش العراق يزيد
الأصمعي قال:
قدم على يزيد بن المهلب قوم من قضاعة من بني ضنة، فقال رجل منهم:
والله ما ندري إذا ما فاتنا
***
طلب إليك من الذي نتطلب
ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد
***
أحداً سواك إلى المكارم ينسب
فاصبر لعادتنا التي عودتنا
***
أو لا فأرشدنا إلى من نذهب
فأمر له بألف دينار. فلما كان في العام المقبل وفد عليه فقال:
مالي أرى أبوابهم مهجروة
***
وكأن بابك مجمع الأسواق
حابوك أما هابوك أم شاموا الندى
***
بيديك فاجتمعوا من الآفاق
إني رأيتك للمكارم عاشقاً
***
والمكرمات قليلة العشاق
فأمر له بعشر آلاف درهم.
ومر يزيد بن المهلب في طريق البصرة بأعرابية فأهدت إليه عنزاً فقبلها، وقال لابنه معاوية:
معاوية:
ما عندك من نفقة؟ قال:
ثمانمائة درهم. قال:
ادفعها إليها. قال:
إنها لا تعرفك ويرضيها اليسير. قال:
إن كانت لا تعرفني، فأنا أعرف نفسي، وإن كان يرضيها اليسير، فأنا لا أرضى إلا بالكثير.
يزيد بن حاتم
وكتب إليه رجل يستوصله، فبعث إليه ثلاثين ألف درهم، وكتب إليه:
أما بعد، فقد بعثت إليك بثلاثين ألفاً لا أكثرها امتناناً، ولا أقللها تجبراً، ولا أستثنيك عليها ثناءً، ولا أقطع لك بها رجاء، والسلام.
وكان ربيعة الرقى قد قدم مصر فأتى يزيد بن حاتم الأزدي، فلم يعطه شيئاً، فخرج وهو يقول:
أراني ولا كفران الله راجعاًبخفي حنين من نوال ابن حاتم
فسأل عنه يزيد، فأخبر أنه قد خرج، وقال كذا، وأنشد البيت؛ فأرسل في طلبه، فأتي به فقال:
كيف قلت؟ فأنشده البيت. فقال:
شغلنا عنك. ثم أمر بخفيه فخلعتا من رجليه وملئتا مالاً، وقال:
ارجع بها بدلاً من خفي حنين. فقال فيه لما عزل عن مصر وولي مكانه يزيد بن أسيد.
بكى أهل مصر بالدموع السواجم
***
غداة غدا منها الأغر ابن حاتم
وفيها يقول:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
***
يزيد سليم والأغر ابن حاتم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله
***
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
فلا يحسب التمتام أني هجوته
***
ولكنني فضلت أهل المكارم
وخرج إليه رجل من الشعراء يمدحه، فلما بلغ مصر وجده قد مات، فقال فيه:
لئن مصر فاتتني بما كنت أرتجي
***
وأحلفني منها الذي كنت آمل
فما كل ما يخشى الفتى بمصيبه
***
ولا كل ما يرجو الفتى هو نائل
وما كان بيني لو لقيتك سالماً
***
وبين الغنى إلا ليال قلائل
أبو دلف
واسمه القاسم بن إسماعيل، وفيه يقول علي بن جبلة:
إنما الدنيا أبو دلف
***
بين مبداه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف
***
ولت الدنيا على أثره
وقال فيه رجل من شعراء الكوفة:
الله أجرى من الأرزاق أكثرها
***
على العباد على كفى أبي دلف
بارى الرياح فأعطى وهي جارية
***
حتى إذا وقفت أعطى ولم يقف
ما خط لا كاتباه في صحيفته
***
يوماً كما خط لا في سائر الصحف
فأعطاه ثلاثين ألفاً.
ومدحه آخر فقال له:
يشبهه الرعد إذا الرعد رجف
***
كأنه البرق إذا البرق خطل
كأنه الموت إذا الموت أزف
***
تحمله إلى الوغى الخيل القطف
إن سار سار المجد أو حل وقف
***
انظر بعينيك إلى أسنى الشرف
هل ناله بقدرة أو بكلف
***
خلق من الناس سوى أبي دلف
فأعطاه خمسين ألفاً.
أخبار معن بن زائدة
قال شراحيل بن معن بن زائدة:
حج هارون الرشيد وزميله أبو يوسف القاضي، وكنت كثيراً ما أسايره، إذ عرض له أعرابي من بني أسد فأنشده شعراً مدحه فيه وأفرط؛ فقال له هارون:
ألم أنهك عن مثل هذا في مدحك يا أخا بني أسد؟ إذا قلت فينا فقل كقول القائل في أب هذا:
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم
***
أسود لها في غيل خفان أشبل
هم يمنعون الجار حتى كأنما
***
لجارهم بين السماكين منزل
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
***
كأولهم في الجاهلية أول
وما يستطيع الفاعلون فعالهم
***
وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
***
أجابوا إن أعطوا أطابوا وأجزلوا
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
***
أجابوا وأن أعطوا أطابوا وأجزلوا
خالد بن عبد الله القسري
وهو الذي يقول فيه الشاعر:
إلى خالد حتى أنحن بخالد
***
فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل
بينما خالد بن عبد الله القسري جالس في مظلة له إذ نظر إلى أعرابي يخب به بعيره مقبلاً نحوه، فقال لحاجبه:
إذا قدم فلا تحجبه. فلما قدم أدخله عليه فلم وقال:
أصلحك الله قل ما بيدي
***
فما أطيق العيال إذ كثروا
أناخ دهر ألقى بكلكله
***
فأرسلوني إليك وانتظروا
فقال خالد:
أرسلوك وانتظروا؟ والله لا تنزل حتى تنصرف إليهم بما يسرهم، وأمر له بجائزة عظيمة وكسوة شريفة.
عدي بن حاتم
دخل عليه ابن دارة فقال:
إني مدحتك؟ قال:
أمسك حتى آتيك بمالي، ثم امدحني على حسبه، فإني أكره ألا أعطيك ثمن ما تقول، لي ألف شاة وألف درهم وثلاثة أعبد وثلاث إماء وفرسي هذا حبس في سبيل الله، فامدحني على حسب ما أخبرتك. فقال:
تحن قلوصى في معد وإنما
***
تلاقي الربيع في ديار بني ثعل
وأبقى الليالي من عدي بن حاتم
***
حساماً كنصل السيف سل من الخلل
أبوك جواد لا يشق غباره
***
وأنت جواد ما تعذر بالعلل
فإن تتقوا شراً فمثلكم اتقى
***
وإن تفعلوا خيراً فمثلكم فعل
قال له عدي:
أمسك لا يبلغ مالي أكثر من هذا.
الطبقة الثانية من الأجواد الطبقة الثانية من الأجواد
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد ﴿ 15 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
الطبقة الثانية من الأجواد الطبقة الثانية من الأجواد