اختيار السلطان لأهل عمله
اختيار السلطان لأهل عمله
لما وجه عمر بن هبيرة مسلم بن سعيد إلى خراسان، قال له:
أوصيك بثلاثة:
حاجبك، فإنه وجهك الذي به تلقى الناس، إن أحسن فأنت المحسن، وإن أساء فأنت المسيء، وصاحب شرطتك، فإنه سوطك وسيفك، حيث وضعتهما فقدر ضعتهما. عمال القدر. قال:
وما عمال القدر؟ قال أن نختار من كل كورة رجالا لعملك فإن أصابوا فهو الذي أردت، وإن أخطأوا فهم المخطئون وأنت المصيب.
وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عدي بن أرطأة:
أن أجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الجوشني، فول القضاء أنفذهما فجمع بينهما، فقال له إياس:
أيها الرجل، سل عني وعن القاسم فقيهي البصرة:
الحسن البصري وابن سيرين - وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين، وكان إياس لا يأتيهما - فعلم القاسم أنه إن سألهما عنه أشارا به. فقال القاسم:
لا تسأل عني ولا عنه، فوالله الذي لا إله إلا هو، إن إياس بن معاوية أفقه مني وأعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبا فما ينبغي أن توليني، وإن كنت صادقاً، فينبغي لك أن تقبل قولي، فقال له إياس:
إنك جئت برجل فوقفته على شفير جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة، يستغفر الله منها وينجو مما يخاف. فقال له عدي:
أما إذا فهمتها فأنت لها، فاستقضاه.
قال عدي بن أرطأة لإياس بن معاوية دلني على قوم من القراء أولهم فقال له:
القراء ضربان:
ضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدنيا، فما ظنك بهم إذا أمكنتهم منها؟ ولكن عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولهم.
أيوب السختياني، قال:
طلب أبو قلابة لقضاء البصرة، فهرب إلى الشام، فأقام حينا ثم رجع. قال أيوب:
فقلت له:
لو وليت القضاء وعدلت كان لك أجران. قال:
يا أيوب، إذا وقع السابح في البحر كم عسى أن يسبح! وقال عبد الملك بن مروان لجلسائه:
دلوني على رجل أستعمله. فقال له روح بن زنباع:
أدلك يا أمير المؤمنين على رجل إن دعوتموه أجابكم، وإن تركتموه لم يأتكم؛ ليس بالملحف طلبا، ولا بالممعن هربا:
عامر الشعبي. فولاه قضاء البصرة.
وسأل عمر بن عبد العزيز رحمه الله أبا مجلز عن رجل يوليه خراسان. فقال له:
ما تقول في فلان؟ قال:
مصنوع له وليس بصاحبها. قال:
ففلان؟ قال:
سريع الغضب بعيد الرضا، يسأل الكثير ويمنع القليل، و يحسد أمه، وينافس أباه، ويحقر مولاه. قال:
ففلان؟ قال:
يكافئ الأكفاء، ويعادي الأعداء، ويفعل ما يشاء. قال:
ما في واحد من هؤلاء خير.
وأراد عمر بن عبد الخطاب رضي الله عنه أن يستعمل رجلا. فبدر الرجل فطلب منه العمل. فقال عمر:
والله لقد كنت أردتك لذلك، ولكن من طلب هذا الأمر لم يعن عليه.
وطلب رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمله، فقال له:
إنا لا نستعمل على عملنا من يريده.
وطلب العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي ولاية. فقال:
يا عم، نفس تحييها، خير من ولاية لا تحصيها.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد:
فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة.
وتقول النصارى:
لا يختار للجثلقة إلا زاهد غير طالب لها.
وقال إياس بن معاوية:
أرسل إلى إلي عمر بن هبيرة فأتيته، فساكتني فسكت، فلما أطلت قال:
هيه. قلت:
سل ما بدا لك. قال:
أتقرأ القرآن؟ قلت:
نعم. قال أتقرض الفرائض؟ قلت:
نعم. قال:
أتعرف من أيام العرب شيئاً؟ قلت:
نعم. قال:
أتعرف من أيام العجم شيئاً؟ قلت:
أنا بها أعرف. قال:
إني أريد أن أستعين بك على عملي. قلت إن خلالاً ثلاثاً لا أصلح معها لليل. قال:
و ما هي؟ قلت:
دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عي. قال:
أما دمامتك فإني لا أريد أن أحاسن الناس بك، وأما العي فإني أراك تعرب عن نفسك، وأما الحدة فإن السوط يقومك. قم قد وليتك. قال:
فولاني وأعطاني مائة درهم. فهي أول مال تمولته.
وقال الأصمعي:
ولي سليمان بن حبيب المحاربي قضاء دمشق لعبد الملك والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز رحمه الله ويزيد وهشام.
وأراد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مكحولاً على القضاء، فأبى عليه. قال له:
وما يمنعك؟ قال مكحول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يقض بين الناس إلا ذو شرف في قومه، وأنا مولى.
ولما قدم رجال من الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكون سعد بن أبي وقاص، قال:
من يعذرني من أهل الكوفة؟ إن وليت عليهم التقي ضعفوه، وإن وليت عليهم القوي فجروه. فقال له المغيرة:
يا أمير المؤمنين، إن التقي الضعيف له تقواه وعليك ضعفه. والقوي الفاجر لك قوته وعليه فجوره. قال:
صدقت، فأنت القوي الفاجر، فاخرج إليهم. فخرج إليهم، فلم يزل عليهم أيام عمر وصدرا من أيام عثمان وأيام معاوية حتى مات المغيرة.
اختيار السلطان لأهل عمله اختيار السلطان لأهل عمله
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب اللؤلؤة في السل
طان ﴿ 4 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
اختيار السلطان لأهل عمله اختيار السلطان لأهل عمله