باب جواز هبتها نوبتها لضرتها
باب جواز هبتها نوبتها لضرتها
2657- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مَا رَأَيْت اِمْرَأَة أَحَبّ إِلَيَّ أَنْ أَكُون فِي مِسْلَاخهَا مِنْ سَوْدَة بِنْت زَمْعَة مِنْ اِمْرَأَة فيها حِدَة» (الْمِسْلَاخ) بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْجِلْد وَمَعْنَاهُ أَنْ أَكُون أَنَا هِيَ، و(زَمْعَة) بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَانهَا وَقَوْلهَا (مِنْ اِمْرَأَة) قَالَ الْقَاضِي (مِنْ) هُنَا لِلْبَيَانِ وَاسْتِفْتَاح الْكَلَام، وَلَمْ تَرُدّ عَائِشَة عَيْب سَوْدَة بِذَلِكَ، بَلْ وَصَفَتْهَا بِقُوَّةِ النَّفْس وَجَوْدَة الْقَرِيحَة وَهِيَ الْحِدَة بِكَسْرِ الْحَاء.
قَوْلهَا: «فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة» فيه جَوَاز هِبَتهَا نَوْبَتهَا لِضَرَّتِهَا، لِأَنَّهُ حَقّهَا، لَكِنْ يُشْتَرَط رِضَا الزَّوْج بِذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَاهِبَة فَلَا يَفُوتهُ إِلَّا بِرِضَاهُ وَلَا يَجُوز أَنْ تَأْخُذ عَلَى هَذِهِ الْهِبَة عِوَضًا، وَيَجُوز أَنْ تَهَب لِلزَّوْجِ فَيَجْعَل الزَّوْج نَوْبَتهَا لِمَنْ شَاءَ وَقِيلَ: يَلْزَمهُ تَوْزِيعهَا عَلَى الْبَاقِيَات، وَيَجْعَل الْوَاهِبَة كَالْمَعْدُومَةِ وَالْأَوَّل أَصَحّ، وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوع مَتَى شَاءَتْ، فَتَرْجِع فِي الْمُسْتَقْبَل دُون الْمَاضِي لِأَنَّ الْهِبَات يَرْجِع فِيمَا لَمْ يَقْبِض مِنْهَا دُون الْمَقْبُوض.
وَقَوْلهَا: «جَعَلَتْ يَوْمهَا»، أَيْ نَوْبَتهَا وَهِيَ يَوْم وَلَيْلَة.
وَقَوْلهَا: «كَانَ يَقْسِم لِعَائِشَة يَوْمَيْنِ يَوْمهَا وَيَوْم سَوْدَة» مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَكُون عِنْد عَائِشَة فِي يَوْمهَا وَيَكُون عِنْدهَا أَيْضًا فِي يَوْم سَوْدَة، لَا أَنَّهُ يُوَالِي لَهَا الْيَوْمَيْنِ.
وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا يَجُوز الْمُوَالَاة لِلْمَوْهُوبِ لَهَا إِلَّا بِرِضَى الْبَاقِيَات.
وَجَوَّزَهُ بَعْض أَصْحَابنَا بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ وَهُوَ ضَعِيف.
قَوْلهَا: «وَكَانَتْ أَوَّل اِمْرَأَة تَزَوَّجَهَا بَعْدِي»، كَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة يُونُس عَنْ شَرِيك أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ عَائِشَة قَبْل سَوْدَة، وَكَذَا ذَكَرَهُ يُونُس أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيّ وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل وَرُوِيَ عَقِيل بْن خَالِد عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ سَوْدَة قَبْل عَائِشَة، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: وَهَذَا قَوْل قَتَادَة وَأَبِي عُبَيْدَة، قُلْت: وَقَالَهُ أَيْضًا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَمُحَمَّد بْن سَعْد كَاتِب الْوَاقِدِيّ وَابْن قُتَيْبَة وَآخَرُونَ.
✯✯✯✯✯✯
2658- قَوْله: «عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: كُنْت أَغَارَ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسهنَّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقُول: وَتَهَب الْمَرْأَة نَفْسهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك مَنْ تَشَاء}» إِلَى آخِره.
هَذَا مِنْ خَصَائِص رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ زَوَاج مَنْ وَهَبَتْ نَفْسهَا لَهُ بِلَا مَهْر.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {خَالِصَة لَك مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ}.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْآيَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاء} فَقِيلَ نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء مِنْ بَعْد} وَمُبِيحَة لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج مَا شَاءَ.
وَقِيلَ بَلْ نُسِخَتْ تِلْكَ الْآيَة بِالسُّنَّةِ قَالَ زَيْد بْن أَرْقَم: تَزَوَّجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة مَيْمُونَة وَمُلَيْكَة وَصْفِيَّة وَجُوَيْرِيَّة، وَقَالَتْ عَائِشَة: مَا مَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلّ لَهُ النِّسَاء وَقِيلَ عَكْس هَذَا وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {لَا يَحِلّ لَك النِّسَاء} نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاء}.
وَالْأَوَّل أَصَحّ.
قَالَ أَصْحَابنَا: الْأَصَحّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تُوُفِّيَ حَتَّى أُبِيحَ لَهُ النِّسَاء مَعَ أَزْوَاجه.
قَوْلهَا: «مَا أَرَى رَبّك إِلَّا يُسَارِع فِي هَوَاك» هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة مِنْ أَرَى وَمَعْنَاهُ يُخَفِّف عَنْك وَيُوَسِّع عَلَيْك فِي الْأُمُور وَلِهَذَا خَيَّرَك.
✯✯✯✯✯✯
2660- قَوْله: أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاء قَالَ: «حَضَرْنَا مَعَ اِبْن عَبَّاس جِنَازَة مَيْمُونَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ» اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ بِسَرِفَ بِفَتْحِ السِّين وَكَسْر الرَّاء وَبِالْفَاءِ، وَهُوَ مَكَان بِقُرْبِ مَكَّة بَيْنه وَبَيْنهَا سِتَّة أَمْيَال وَقِيلَ سَبْعَة وَقِيلَ تِسْعَة وَقِيلَ اِثْنَا عَشَر.
قَوْله: «كَانَ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْع يَقْسِم لِثَمَانٍ وَلَا يَقْسِم لِوَاحِدَةٍ» قَالَ عَطَاء الَّتِي لَا يَقْتَسِم لَهَا صَفِيَّة بِنْت حَيّ بْن أَخْطَب.
أَمَّا قَوْله (تِسْع) فَصَحِيح وَهُنَّ مَعْرُوفَات سَبَقَ بَيَان أَسْمَائِهِنَّ قَرِيبًا.
وَقَوْله: (يَقْسِم لِثَمَانِ) شُهُور وَأَمَّا قَوْله عَطَاء الَّتِي لَا يَقْسِم لَهَا صَفِيَّة، فَقَالَ الْعُلَمَاء: هُوَ وَهْم مِنْ اِبْن جُرَيْجٍ الرَّاوِي عَنْ عَطَاء وَإِنَّمَا الصَّوَاب سَوْدَة كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيث.
وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الزُّهْرِيّ: هِيَ مَيْمُونَة.
وَقِيلَ: أُمّ شَرِيك.
وَقِيلَ: زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَةَ.
قَوْله: قَالَ عَطَاء (كَانَتْ آخِرهنَّ مَوْتًا مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ) قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِر كَلَام عَطَاء أَنَّهُ أَرَادَ بِآخِرِهِنَّ مَوْتًا مَيْمُونَة وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحَدِيث أَنَّهَا مَاتَ بِسَرِفَ وَهِيَ بِقُرْبِ مَكَّة، فَقَوْله: بِالْمَدِينَةِ، وَهُمْ.
قَوْله: آخِرهنَّ مَوْتًا، قِيلَ: مَاتَتْ مَيْمُونَة سَنَة ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَقِيلَ: سِتّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ: إِحْدَى وَخَمْسِينَ قَبْل عَائِشَة، لِأَنَّ عَائِشَة تُوُفِّيَتْ سَنَة سَبْع، وَقِيلَ: ثَمَان وَخَمْسِينَ، وَأَمَّا صَفِيَّة فَتُوُفِّيَتْ سَنَة خَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَيُحْتَمَل أَنَّ قَوْله (مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ) عَائِد عَلَى صَفِيَّة وَلَفْظه فيه صَحِيح يَحْتَمِلهُ أَوْ ظَاهِر فيه وَاَللَّه أَعْلَم.
باب جواز هبتها نوبتها لضرتها
باب جواز هبتها نوبتها لضرتها
باب جواز هبتها نوبتها لضرتها