قلة الكرام في كثرة اللئام
قلة الكرام في كثرة اللئام
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.
الكرام في اللئام كالغرة في الفرس.
وقال الشاعر:
تفاخرني بكثرتها قريظ
***
وقبلي والد الحجل الصقور
فإن أك في شراركم قليلاً
***
فإني في خياركم كثير
بغاث الطير أكثرها فراخاً
***
وأم الصقر مقلات نزور
وقال السموأل:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
***
فقلت لها عن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
***
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وقال حبيب:
ولقد تكون ولا كريم نناله
***
حتى نخوض إليه ألف لئيم
قال ابن أبي حازم:
وقالوا لو مدحت فتى كريماً
***
فقلت وكيف لي بفتى كريم
بلوت ومر بي خمسون حولاً
***
حسبك بالمجرب من عليم
فلا أحد يعد ليوم خير
***
ولا أحد يعود على عديم
وقال دعبل:
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم
***
والله يعلم أني لم أقل فندا
إن لأغلق عيني ثم أفتحها
***
على كثير ولكن ما أرى أحد
وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول حبيب الطائي:
إن الجياد كثير في البلاد وإن
***
قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
لا يدهمنك من دهمائهم عجب
***
فإن جلهم أو كلهم بقر
وكلما أضحت الأخطار بينهم
***
هلكي تبين من أضحى له خطر
لو لم تصادف شيات البهم أكثر ما
***
في الخيل لم تحمد الأوضاح والغرر
الأصمعي قال:
قال كسرى:
أي شيء أضر؟ فأجمعوا على الفقر. فقال كسرى:
الشح أضر منه، لأن الفقير يجد الفرجة فيتسع.
من جاد أولاً وضن آخراً
نزل أعرابي برجل من أهل البصرة، فأكرمه وأحسن إليه، ثم أمسك. فقال الأعرابي:
تسرى فلما حاسب المرء نفسه
***
رأى أنه لا يستقر له السرو
وكان يزيد بن منصور يجري لبشار العقيلي وظيفة في كل شهر، ثم قطعها عنه فقال:
أبا خالد ما زلت سابح غمرة
***
صغيراً فلما شبت خيمت بالشاطئ
جريت زماناً سابقاً ثم لم تزل
***
تأخر حتى جئت تقطو مع القاطي
كسنور عبد الله بيع بدرهم
***
صغيراً فلما شب بيع بقيراط
وقال مسلم بن الوليد صريع الغواني لمحمد بن منصور بن زياد:
أبا حسن قد كنت قدمت نعمة
***
وألحقت شكراً ثم أمسكت وانيا
فلا ضير لم تلحقك مني ملامة
***
أسأت بنا عوداً وأحسنت باديا
فأقسم لا أجزيك بالسوء مثله
***
كفى بالذي جازيتني لك جازياً
وقال سليمان الأعمى، وهو أخو صريع الغواني، في سليمان بن علي:
يا سوءة يكبر الشيطان إن ذكرت
***
منها العجائب جاءت من سليمانا
لا تعجبن بخير زل عن يده
***
فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا
من ضن أولاً ثم جاد آخراً
قدم الحارث بن خالد المخزومي على عبد الملك فلم يصله، فرجع وقال فيه:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة
***
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
حبست عليك النفس حتى كأنما
***
بكفيك يجري بؤسها ونعيمها
فبلغ قوله عبد الملك، فأرسل إليه فرده، وقال:
أرأيت عليك غضاضة من مقامك ببابي؟ قال:
لا، ولكني اشتقت إلى أهلي ووطني، ووجدت فضلاً من القول فقلت، وعلي دين لزمني. قال:
وكم دينك؟ قال:
ثلاثون ألفاً. قال:
فقضاء دينك أحب إليك أم ولاية مكة؟ قال:
بل ولاية مكة. فولاه إياها.
وقدم الحطيئة المدينة فوق إلى عتيبة بن النهاس العجلي فقال:
أعطني. فقال:
مالك عند فأعطيكه، وما في مالي فضل عن عيالي فأعود به عليك. فخرج عنه مغضباً. وعرفه به جلساؤه، فأمر برده، ثم قال له:
يا هذا إنك وقفت إلينا فلم تستأنس ولم تسلم، وكتمتنا نفسك، كأنك الحطيئة؟ قال:
هو ذلك. قال:
اجلس، فلك عندما كل ما تحب. فجلس، فقال له:
من أشعر الناس؟ قال:
الذي يقول:
من يجعل المعروف من دون عرضه
***
يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
يعني زهيراً:
قال:
ثم من؟ قال:
الذي يقول:
من يسأل الناس يحرموه
***
وسائل الله لا يخيب
يعني عبيداً. قال:
ثم من؟ قال:
أنا.
فقال لوكيله:
خذ بيد هذا فامض به إلى السوق، فلا يشيرن إلى شيء إلا اشتريته له. فمضى معه إلى السوق، فعرض عليه الخز والقز، فلم يتلفت إلى شيء منه وأشار إلى الأكسية والكرابيس الغلاظ والأقبية. فاشترى له منها حاجته، ثم قال:
أمسك. قال:
فإنه قد أمرني أن أبسط يدي بالنفقة قال:
لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه، ثم أنشأ يقول:
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً
***
فسيان لا ذم عليك ولا حمد
وأنت امرؤ لا الجود منك سجية
***
فتعطى وقد يعدى على النائل الوجد
من مدح أميراً فخيبه
قال سعيد بن سلم:
مدحني أعرابي فأبلغ، فقال:
ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة
***
سعيد بن سلم نور كل بلاد
لنا سيد أربى على كل سيد
***
جواد حثا في وجه كل جواد
قال:
فتأخرت عنه قليلاً. فهجاني فأبلغ، فقال:
لكل أخي مدح ثواب علمته
***
وليس لمدح الباهلي ثواب
مدحت سعيداً والمديح مهزة
***
فكان كصفوان عليه تراب
ومدح الحسن بن رجاء أبا دلف فلم يعطه شيئاً، فقال:
أبا دلف ما أكذب الناس كلهم
***
سواي فإني في مديحك أكذب
وقال آخر في مثل هذا المعنى:
إني مدحتك كاذباً فأثبتني
***
لما مدحتك ما يثاب الكاذب
وقال آخر في مثل هذا المعنى:
لئن أخطأت في مدحي
***
ك ما أخطأت في منعي
لقد أحللت حاجاتي
***
بواد غير ذي زرع
ومدح حبيب الطائي عياش بن لهيعة، وقدم عليه بمصر، واستسلفه مائتي مثقال. فشاور فيها زوجته، فقالت له:
هو شاعر يمدحك اليوم، ويهجوك غداً، فاعتل عليه واعتذر إليه ولم يقض حاجته. فقال فيه:
عياش إنك للئيم وإنني
***
مذ صرت موضع مطلبي للئيم
ثم هجاه حتى مات. وهجاه بعد موته، فقال فيه:
لا سقيت أطلالك الدائرة
***
ولا انقضت عثرتك العاثرة
يا أسد الموت تخلصته
***
من بين فكي أسد القاصرة
ما حفرة واراك ملحودها
***
ببرة الرمس ولا طاهره
ومن قولنا في هذا المعنى، وسألت بعض موالي السلطان إطلاق محبوس فتلكأ فيه، فقلت:
حاشا لمثلك أن يفك أسيرا
***
أو أن يكون من الزمان مجيرا
لبست قوافي الشعر فيك مدارعاً
***
سوداً وصكت أوجهاً وصدورا
علا عطفت برحمة لما دعت
***
ويلاً عليك مدائحي وثبورا
لو أن لؤمك عاد جوداً عشره
***
ما كان عندك حاتم مذكورا
قال:
ومدح ربعة الرقي يزيد بن حاتم الأزدي، وهو والي مصر فاستبطأه ربيعة. فشخص عنه من مصر وقال:
أراني ولا كفران الله راجعاًبخفي حنين من نوال ابن حاتم
فبلغ قوله يزيد بن حاتم. فأرسل في طلبه، فرد إليه. فلما دخل عليه قال له:
أنت القائل:
أراني ولا كفران الله راجعاً
قال:
نعم؛ قال:
فهل قلت غير هذا؟ قال:
لا والله؛ قال:
لترجعن بخفي حنين مملوءة مالاً. فأمر بخلع نعليه وملئت له مالاً. فقال فيه لما عزل عن مصر وولي يزيد بن أسيد السلمي مكانه:
بكى أهل مصر بالدموع السواجم
***
غداة غدا منها الأغر ابن حاتم
وفيها يقول:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى
***
يزيد سليم والأغر بن حاتم
فهم الفتى الأزدي إنفاق ماله
***
وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
فلا يحسب التمتام أني هجوته
***
ولكنني فضلت أهل المكارم
قلة الكرام في كثرة اللئام
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد ﴿ 12 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
قلة الكرام في كثرة اللئام