حسن السيرة والرفق بالرعية
حسن السيرة والرفق بالرعية
قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيما أوصاه به من الرفق بالرعية:
" ولو كنت فظاً غليظ لانفضوا من حولك " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير كله، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير كله.
ولما استخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب، فقال لهما:
أشيرا علي. فقال له سالم:
اجعل الناس أباً وأخاً وابناً، فبر أباك، واحفظ أخاك، وارحم ابنك. وقال له محمد بن كعب:
أحبب للناس ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، واعلم أنك لست أول خليفة.
وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر:
يا أبت؛ ما لك لا تنفذ في الأمور؟ فوالله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. فقال له عمر:
لا تعجل يا بني، فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه وتكون فتنة.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة، أما بعد، فإن أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك، واعلم أن ما لك عند الله مثل ما للرعية عندك.
وقال المنصور لولده عبد الله المهدي:
لا تبرم أمراً حتى تفكر فيه، فإن فكرة العاقل مرآة تريه حسناته وسيآته. واعلم أن الخليفة لا تصلحه إلا التقوى، والسلطان لا تصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل. وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وانقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه.
وقال خالد بن عبد الله القسري لبلال بن أبي بردة:
لا يحملنك فضل المقدرة على شدة السطوة، ولا تطلب من رعيتك إلا ما تبذله لها، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وقال أبو عبيد الله كاتب المهدي:
ما أحوج ذا القدرة والسلطان إلى دين يحجزه، وحياء يكفه، وعقل يعقله، وإلى تجربة طويلة، وعين حفيظة؛ وأعراق تسري إليه، وأخلاق تسهل الأمور عليه؛ وإلى جليس شفيق، وصاحب رفيق؛ وإلى عين تبصر العواقب وقلب يخاف الغير. ومن لم يعرف لؤم الكبر لم يسلم من فلتات اللسان، ولم يتعاظم ذنباً وإن عظم، ولا ثناء وإن سمح.
وكتب أردشير إلى رعيته:
من أردشير المؤيد ملك الملوك ووارث العظماء إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عماد البلاد:
السلام عليكم، فإنا بحمد الله إليكم سالمون. فقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموظفة عليها، ونحن مع ذلك كاتبون بوصية فاحفظوها:
لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدو، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقي على أحد، ولا ترفضوها فإن الآخرة لا تدرك إلا بها.
ولما انصرف مروان بن الحكم من مصر إلى الشام استعمل عبد العزيز ابنه على مصر، وقال له حين ودعه:
أرسل حكيماً ولا توصه. أي بني، انظر إلى عمالك، فإن كان لهم عندكم حق غدوة فلا تؤخره إلى عشية، وإن كان لهم عشية فلا تؤخره إلى غدوة، وأعطهم حقوقهم عند محلها، تستوجب بذلك الطاعة منهم. وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدقوك في الحق. واستشير جلساءك وأهل العلم، فإن لم يستبن لك فاكتب إلي يأتك رأيي فيه إن شاء الله تعالى. وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب، واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك، ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة؛ فإن أول من جعل السجن كان حليماً ذا أناة. ثم انظر إلى أهل الحسب والدين والمروءة، فليكونوا أصحابك وجلساءك، ثم اعرف منازلهم منك على غير استرسال ولا انقباض. أقول هذا واستخلف الله عليك.
أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مجالد عن الشعبي، قال:
قال زياد:
ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة، استعملت رجلاً فكسر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففر إليه واستجار به فأمنه. فكتبت إليه:
إن هذا أدب سوأ من قبلي. فكتب إلي:
إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، لا نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية، ولا نشتد جميعا فنحمل الناس على المهالك، ولكن تكون أنت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة.
حسن السيرة والرفق بالرعية حسن السيرة والرفق بالرعية
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب اللؤلؤة في السلطان
﴿ 11 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
حسن السيرة والرفق بالرعية حسن السيرة والرفق بالرعية