📁 آخر الأخبار

المحاماة عن العشيرة ومنع المستجير

 

المحاماة عن العشيرة ومنع المستجير

المحاماة عن العشيرة ومنع المستجير


قال عبد الملك بن مروان لجعيل بن علقمة الثعلبي:

 ما مبلغ عزكم؟ قال:

 لم يطمع فينا ولم يؤمن منا. قال:

 فما مبلغ حفظكم؟ قال:

 يدفع الرجل منا عمن استجار به من غير قومه كدفاعه عن نفسه. قال عبد الملك:

 مثلك من يصف قومه.

وقال عبد الملك بن مروان لابن مطاع الغنزي:

 أخبرني عن مالك بن مسمع. قال له:

 لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه في أي شيء غضب. قال عبد الملك:

 هذا والله السؤدد.

قال:

 ولم يل قط مالك بن مسمع ولا أسماء بن خارجة شيئاً للسلطان.

وكانت العرب تمتدح بالذب عن الجار فيقولون:

 فلان منيع الجار، حامي الذمار. نعم، حتى كان فيهم من يحمي الجراد إذا نزل في جواره، فسمي مجير الجراد.

وقال مروان بن أبي حفصة يمدح معن بن زائدة ويصف مفاخر بني شيبان ومنعهم لمن استجار بهم:


هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا

***

 أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

هم يمنعون الجار حتى كأنما

***

 لجارهم بين السماكين منزل

وقال آخر:


هم يمنعون الجار حتى كأنه

***

 كثيبة زور بين خافيتي نسر

وذكر أن معاوية ولى كثير بن شهاب المذحجي خراسان، فاختان مالاً كثيراً ثم هرب فاستتر عند هانئ بن عروة المرادي:

 فبلغ ذلك معاوية، فهدر دم هانئ. فخرج إلى معاوية فكان في جواره، ثم حضر مجلسه وهو لا يعرفه، فلما نهض الناس ثبت مكانه. فسأله معاوية عن أمره فقال:

 أنا هانئ بن عروة. فقال:

 إن هذا اليوم ليس باليوم الذي يقول فيه أبوك:


أرجل جمتي وأجر ذيلي

***

 وتحمل شكتي أفق كميت

وأمشي في سراة بني غطيف

***

 إذا ما ساءني أمر أبيت

قال:

 أنا والله يا أمير المؤمنين اليوم أعز مني ذلك اليوم. فقال:

 بم ذلك؟ قال:

 بالإسلام. قال:

 أين كثير بن شهاب؟ قال:

 عندي وعندك يا أمير المؤمنين. قال:

 انظر إلى ما اختانه، فخذ منه بعضاً، وسوغه بعضاً، وقد أمناه ووهبناه لك.

الشيباني قال:

 لما نزل محمد بن أبي بكر مصر وصير إليه معاوية معاوية بن حديج الكندي، تفرق عن محمد من كان معه، فتغيب. فدل عليه، فأخذه وضرب عنقه وبعث برأسه إلى معاوية. وكان أول رأس طيف به في الإسلام.

وكان محمد بن جعفر بن أبي طالب معه، فاستجار بأخواله من خثعم فغيبوه. وكان سيد خثعم يومئذ رجلاً في ظهره بزخ من كسر أصابه، فكان إذا مشى ظن الجاهل أنه يتبختر في مشيته، فذكر لمعاوية أنه عنده، فقال له:

 أسلم إلينا هذا الرجل:

 فقال:

 ابن اختنا لجأ إلينا لنحقن دمه، عنك يا أمير المؤمنين. قال:

 والله لا أدعه حتى تأتيني به. قال لا والله لا أتيك به. قال:

 كذبت. والله لتأتيني به، إنك ما علمت لأوره. قال:

 أجل، إني لأوره حين أقاتلك على ابن عمك لأحقن دمه، وأقدم ابن عمي دونه تسفك دمه. فسكت عنه معاوية وخلى بينه وبينه.

الشيباني قال:

 قال سعيد بن سلم:

 أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة كان يسعى في فساد دولته وجعل لمن دله عليه أو جاءه به مائة ألف درهم. قال:

 فأقام الرجل حيناً متوارياً ثم إنه ظهر بمدينة السلام، فكان ظاهراً كغائب، خائفاً مترقباً. فبينا هو يمشي في بعض نواحيها إذ بصر به رجل من أهل الكوفة فعرفه، فأهوى إلى مجامع ثوبه، وقال:

 هذا بغية أمير المؤمنين؛ فأمكن الرجل من قياده، ونظر إلى الموت أمامه. فبينما هو على الحالة إذ سمع وقع الحوافر من وراء ظهره، فالتفت فإذا معن بن زائدة، فقال:

 يا أبا الوليد، أجرني أجارك الله؛ فوقف وقال للرجل الذي تعلق به:

 ما شأنك؟ قال:

 بغية أمير المؤمنين، الذي أهدر دمه وأعطى لمن دل عليه مائة ألف. فقال:

 يا غلام، انزل عن دابتك، واحمل أخانا. فصاح الرجل:

 يا معشر الناس، يحال بيني وبين من طلبه أمير المؤمنين! قال له معن:

 اذهب فأخبره أنه عندي. فانطلق إلى باب أمير المؤمنين فأخبر الحاجب، فدخل إلى المهدي فأخبره، فأمر بحبس الرجل، ووجه إلى معن من يحضر به. فأتته رسل أمير المؤمنين وقد لبس ثيابه، وقربت إليه دابته، فدعا أهل بيته ومواليه فقال:

 لا يخلصن إلى هذا الرجل وفيكم عين تطرف. ثم ركب ودخل حتى سلم على المهدي، فلم يرد عليه. فقال:

 يا معن، أتجير علي؟ قال:

 نعم يا أمير المؤمنين. قال:

 ونعم أيضاً! واشتد غضبه. فقال معن:

 يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم باليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفاً، ولي أيام كثيرة قد تقدم فيها بلائي، وحسن غنائي، فما رأيتموني أهلاً أن تهبوا لي رجلاً واحداً استجار بي؟ فأطرق المهدي طويلاً، ثم رفع رأسه وقد سري عنه، فقال:

 قد أجرنا من أجرت. قال معن:

 فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله فيكون قد أحياه وأغناه فعل. قال:

 قد أمرنا له بخمسين ألف. قال:

 يا أمير المؤمنين، إن صلات الخلفاء تكون على قدر جنايات الرعية، وإن ذنب الرجل عظيم، فأجزل له الصلة. قال:

 قد أمرنا له بمائة ألف. قال:

 فتعجلها يا أمير المؤمنين فإن خير البر عاجله. فأمر بتعجيلها. فدعا لأمير المؤمنين بأفضل دعاء، ثم انصرف ولحقه المال. فدعا الرجل، فقال له:

 خذ صلتك، والحق بأهلك، وإياك ومخالفة خلفاء الله تعالى.

المحاماة عن العشيرة ومنع المستجير


۞۞۞۞۞۞۞۞

 كتاب الفريدة في الحروب ومدار أمرها

 ﴿ 8 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞


تعليقات