استنجاز المواعيد استنجاز المواعيد
استنجاز المواعيد
۞۞۞۞۞۞۞
من أمثالهم في هذا:
أنجز حر ما وعد.
وقالوا:
وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف.
وقال الزهري:
حقيق على من أورق بوعد أن يثمر بفعل.
وقال المغيرة:
من أخر حاجة فقد ضمنها.
وقال الموبذان الفارسي:
الوعد السحابة، والإنجاز المطر.
وقال غيره:
المواعيد رؤوس الحوائج، والإنجاز أبدانها.
وقال عبد الله بن عمر رحمه الله:
خلف الوعد ثلث النفاق، وصدق الوعد ثلث الإيمان، وما ظنك بشيء جعله الله تعالى مدحة في كتابه، وفخراً لأنبيائه، فقال تعالى:
" وذاكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد " .
وذكر جبار بن سلمى عامر بن الطفيل، فقال:
كان والله إذا وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشر أخلف، وهو القائل:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي
***
ويأمن مني صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته
***
ليكذب إيعادي ويصدق موعدي
وقال ابن أبي حازم:
إذا قلت في شيء نعم فأتممه
***
فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا تسترح وترح بها
***
لئلا يقول الناس إنك كاذب
ولو لم يكن في خلف الوعد إلا قول الله عز وجل:
" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " لكفى.
وقال عمر بن الحارث:
كانوا يفعلون ولا يقولون، ثم صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون:
فزعم أنهم ضنوا بالكذب فضلاً عن الصدق.
وفي هذا المعنى يقول الحسن بن هانئ:
قال لي ترضى بوعد كاذب
***
قلت إن لم يك شحم فنفش
ومثله قول عباس بن الأحنف، ويقال إنه لمسلم بن الوليد، صريع الغواني:
ما ضر من شغل الفؤاد ببخله
***
لو كان عللني بوعد كاذب
صبراً عليك فما أرى لي حيلة
***
إلا التمسك بالرجاء الخائب
سأموت من كمد وتبقى حاجتي
***
فيما لديك وما لها من طالب
قال عبد الرحمن بن أم الحكم لعبد الملك بن مروان في مواعيد وعدها إياه فمطله بها:
نحن إلى الفعل أحوج منا إلى القول، وأنت بالإنجاز أولى منك بالمطل. واعلم أنك لا تستحق الشكر إلا بإنجازك الوعد، واستتمامك المعروف.
القاسم بن معن المسعودي قال:
قلت لعيسى بن موسى، أيها الأمير، ما انتفعت بك مذ عرفتك، ولا أوصلت لي خيراً مذ صحبتك. قال:
ألم أكلم لك أمير المؤمنين في كذا وسألته لك كذا؟ قال:
قلت:
بلى، فهل استنجزت ما وعدت، واستتممت ما بدأت؟ قال:
حال من دون ذلك أمور قاطعة، وأحوال عاذرة. قلت:
أيها الأمير، فما زدت على أنها نبهت العجز من رقدته، وأثرت الحزن من ربضته، إن الوعد إذا لم يشفه إنجاز يحققه، كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه.
وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي لخالد بن ديسم، عامل الري.
أخالد إن الري قد أجحفت بنا
***
وضاق علينا رحبها ومعاشها
وقد أطعمتنا منك يوماً سحابة
***
أضاءت لنا برقاً وأبطأ رشاشها
فلا غيمها يصحو فييئس طامعاً
***
ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها
وقال سعيد بن سلم:
وعد أبي بشاراً العقيلي حين مدحه بالقصيدة التي يقول فيها:
صدت بخد وجلت عن خد
***
ثم انثنت كالنفس المرتد
فكتب إليه بشار بالغد:
ما زال ما منيتني من همي
***
والوعد غم فأرح من غمي
إن لم ترد حمدي فراقب ذمي
فقال له أبي:
يا أبا معاذ، هلا استنجحت الحاجة بدون الوعيد؟ فإذ لم تفعل فتربص ثلاثاً وثلاثاً، فإني والله ما رضيت بالوعد حتى سمعت الأبرش الكلبي يقول لهشام:
يا أمير المؤمنين، لا تصنع إلي معروفاً حتى تعدني، فإنه لم يأتني منك سيب على غير وعد وإلا هان علي قدره، وقل مني شكره. قال له هشام:
لئن قلت ذلك لقد قاله سيد أهلك أبو مسلم الخولاني:
إن أوقع المعروف في القلوب، وأبرده على الأكباد معروف منتظر بوعد لا يكدره المظل.
وكان يحيى بن خالد بن برمك لا يقضي حاجة إلا بوعد، ويقول:
من لم يبت على سرور لم يجد للصنيعة طعماً.
وقالوا:
الخلف ألأم من البخل، لأنه من لم يفعل المعروف لزمه ذم اللؤم وحده، ومن وعد وأخلف لزمه ثلاث مذمات:
ذم اللؤم، وذم الخلف، وذم الكذب.
قال زياد الأعجم:
لله درك من فتى
***
ولو كنت تفعل ما تقول
لا خير في كذب الجوا
***
د وحبذا صدق البخيل
استبطأ حبيب الطائي الحسن بن وعيب في عدة وعدها إياه، فكتب إليه أبياتاً يستعجله بها. فبعث إليه بألف درهم، وكتب إليه:
أعجلتنا فأتاك عاجل برنا
***
قلاً ولو أخرته لم يقلل
فخذ القليل وكن كمن لم يسأل
***
ونكون نحن كأننا لم نفعل
وقال عبد الله بن مالك الخزاعي:
دخلت على أمير المؤمنين المهدي وعنده ابن دأب وهو ينشد قول الشماخ:
وأشعث قد قد السفار قميصه
***
يجر شواء بالعصا غير منضج
دعوت إلى ما نابني فأجابني
***
كريم من الفتيان غير مزلج
فتى يملأ الشيزي ويروي سنانه
***
ويضرب في رأس الكمي المدجج
فتي ليس بالراضي بأدنى معيشة
***
ولا في بيوت الحي بالمتولج
فرفع رأس إلي المهدي وقال:
هذه صفتك أبا العباس فقلت:
بك نلتها يا أمير المؤمنين. فضحك إلي وقال:
هل تنشد من الشعر شيئاً؟ قلت:
نعم يا أمير المؤمنين. قال:
فأنشدني. فأنشدته قول السموأل:
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
***
فليس إلى حسن الثناء سبيل
إذا المرء أعيته المروءة يافعاً
***
فمطلبها كهلاً عليه ثقيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
***
فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا
***
عزيز وجار الأكثرين ذليل
ونحن أناس لا نرى القتل سبة
***
إذا ما رأته عامر وسلول
يقرب حب الموت آجالنا لنا
***
وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه
***
ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد السيوف نفوسنا
***
وليست على غير السيوف تسيل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم
***
ولا ينكرون القول حين نقول
فنحن كماء المزن ما في نصابنا
***
كهام ولا فينا يعد بخيل
وأسيافنا في كل شرق ومغرب
***
بها من قراع الدارعين فلول
فقال:
أحسنت! اجلس، بهذا بلغتم، سل حاجتك؟ فقلت:
يا أمير المؤمنين، تكتب لي في العطاء ثلاثين رجلاً من أهلي؟ قال:
نعم، فرض علي إذا وعدت. فقلت يا أمير المؤمنين، إنك متمكن من القدرة وليس دونك حاجز عن الفعل، فما معنى العدة؟ فنظر إلى بن دأب كأنه يريد منه كلاماً في فضل الموعد. فقال ابن دأب:
حلاوة الفعل بوعد ينجز
***
لا خير في العرف كنهب ينهز
فضحك المهدي وقال:
الفعل أحسن ما يكو
***
ن إذا تقدمه ضمان
وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه:
يا بني، إذ غدا عليكم الرجل وراح مسلماً، فكفى بذلك تقاضيا. وقال الشاعر:
أروح بتسليمي عليك وأغتدي
***
وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وقال آخر:
كفاك مخبراً وجهي بشأني
***
وحسبك أن أراك وأن تراني
وما ظني بمن يعنيه أمري
***
ويعلم حاجتي ويرى مكاني
كتب العتابي إلى بعض أهل السلطان:
أما بعد، فإن سحائب وعدك قد أبرقت، فليكن وبلها سالماً من علل المطل، والسلام.
وكتب الجاحظ إلى رجل وعده:
أما بعد، فإن شجرة وعدك قد أورقت، فليكن ثمرها سالماً من جوائح المطل، والسلام.
ووعد عبد الله بن طاهر دعبلاً بغلام، فلما طال عليه تصدى له يوماً، وقد ركب إلى باب الخاصة، فلما رآه قال:
أسأت الافتضاء، وجهلت المأخذ، ولم تحسن النظر، ونحن أولى بالفضل، فلك الغلام والدابة لما ننزل إن شاء الله تعالى. فأخذ دعبل بعنانه وأنشده:
يا جواد اللسان من غير فعل
***
ليت في راحتيك جود اللسان
عين مهران قد لطمت مراراً
***
فاتقي ذا الجلال في مهران
عرت عيناً فدع لمهران عيناً
***
لا تدعه يطوف في العميان
قال:
فنزل له عن دابته، وأمر له بالغلام.
وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد جارية فوعده بها، وأبطأت عليه، فكتب إليه:
أرى حاجتي عند الأمير كأنها
***
تهم زماناً عنده بمقام
وأحصر عن إذكاره إن لقيته
***
وصدق الحياء ملجم بلجام
أراها إذا كان النهار نسيئة
***
وبالليل تقضى عند كل منام
فيا رب أخرجها فإنك مخرج
***
من الميت حياً مفصحاً بكلام
فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها
***
وكيف صلاتي عندها وصيامي
وكتب أبو العتاهية إلى رجل وعده وعداً وأخلفه:
أحسبت أرض الله ضيقة
***
عني فأرض الله لم تضيق
وجعلتني فقعاً بقرقرة
***
فوطئتني وطئاً على حنق
فإذا سألتك حاجة أبداً
***
فاضرب لها قفلاً على غلق
وأعد لي غلاً وجامعة
***
فاجمع يدي بها إلى عنقي
ما أطول الدنيا وأوسعها
***
وأدلني بمسالك الطرق
ومن قولنا في رجل كتب إلى بعدة في صحيفة ومطلني بها:
صحيفة طابعها اللوم
***
عنوانها بالجهل مختوم
يهدى لها والخلف في طيها
***
والمطل والتسويف واللوم
من وجهه نحس ومن قربه
***
رجس ومن عرفانه شوم
لا تهتضم إن بت ضيفاً له
***
فخبزه في الجوف هاضوم
تكلمه الألحاظ من رقة
***
فهو بلحظ العين مكلوم
ولا تأتدم على أكله
***
فإنه بالجوع مأدوم
وقلت فيه:
صحيفة كتبت ليت بها وعسى
***
عنوانها راحة الراجي إذا يئسا
وعد له هاجس في القلب وقد برمت
***
أحشاء صدري به من طول ما هجسا
يراعة غرني منها وميض سنى
***
حتى مددت إليها الكف مقتبسا
فصادفت حجراً لو كنت تضربه
***
من لؤمه بعضا موسى لما انبجسا
كأنما صيغ من بخل ومن كذب
***
فكان ذاك له روحاً وذا نفسا
وقلت فيه:
رجاء دون أقربه السحاب
***
ووعد مثل ما لمع السراب
وتسويف يكل الصبر عنه
***
ومطل ما يقوم له حساب
وأيام خلت من كل خير
***
ودنيا قد توزعها الكلاب
استنجاز المواعيد
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد ﴿ 7 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞
استنجاز المواعيد