📁 آخر الأخبار

الوافدات على معاوية

 

الوافدات على معاوية الوافدات على معاوية

الوافدات على معاوية


۞۞۞۞۞۞۞


وفود سودة بنت عمارة

على معاوية

عامر الشعبي قال:

 وفدت سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان، فاستأذنت عليه، فأذن لها؛ فلما دخلت عليه سلمت؛ فقال لها:

 كيف أنت يا بنة الأشتر؟ قالت:

 بخير يا أمير المؤمنين؛ قال لها:

 أنت القائلة لأخيك:


شمر كفعل أبيك يا بن عمارة

***

 يوم الطعان وملتقى الأقران

وانصر عليا والحسين ورهطه

***

 واقصد لهند وابنها بهوان

إن الإمام أخو النبي محمد

***

 علم الهدى ومنارة الإيمان

فقد الجيوش وسر أمام لوائه

***

 قدماً بأبيض صارم وسنان

قالت:

 يا أمير المؤمنين، مات الرأس وبتر الذنب، فدع عنك تذكار ما قد نسي؛ قال:

 هيهات؛ ليس مثل مقام أخيك ينسى؛ قالت:

 صدقت والله يا أمير المؤمنين، ما كان أخي خفي المقام، ذليل المكان، ولكن كما قالت الخنساء:


وإن صخراً لتأتم الهداة به

***

 كأنه علم في رأسه نار

وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيته؛ قال:

 قد فعلت:

 فقولي حاجتك؛ قالت:

 يا أمير المؤمنين، إنك للناس سيد، ولأمورهم مقلد، والله سائلك عما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزك، ويبسط سلطانك، فيحصدنا حصاد السنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة، هذا ابن أرطأة قدم بلادي، وقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإما عزلته فشكرناك، وإلا لا فعرفناك؛ فقال معاوية:

 إياي تهددين بقومك! والله قد هممت أن أردك إليه على قتب أشرس، فينفذ حكمه فيك؛ فسكتت ثم قالت:


صلى الإله على روح تضمنه

***

 قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به ثمناً

***

 فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال:

 ومن ذلك؟ قالت:

 علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى؛ قالت:

 وما أرى عليك منه أثراً؛ قال:

 بلى، أتيته يوماً في رجل ولاه صدقاتنا، فكان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين، فوجدته قائماً يصلي، فانفتل من الصلاة، ثم قال برأفة وتعطف:

 ألك حاجة؟ فأخبرته خبر الرجل، فبكى ثم رفع يديه إلى السماء، فقال:

 اللهم إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا ترك حقك؛ ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب، فكتب فيها:

 بسم الله الرحمن الرحيم. قد جاءتكم بينة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك، حتى يأتي من يقبضه منك، والسلام.

فأخذته منه يا أمير المؤمنين ما خزمه بخزام، ولا ختمه بختام. فقال معاوية:

 اكتبوا لها الإنصاف لها والعدل عليها؛ فقالت:

 ألي خاصة، أم لقومي عامة؟ قال:

 وما أنت وغيرك؟ قال:

 هي والله إذا الفحشاء واللؤم إن لم يكن عدلاً شاملاً، وإلا يسعنى ما يسع قوي؛ قال:

 هيهات، لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئاً ما تفطمون، وغركم قوله:


فلو كنت بواباً على باب جنة

***

 لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقوله:


ناديت همدان والأبواب مغلقة

***

 ومثل همدان سنى فتحة الباب

كالهنداوي لم تفلل مضاربه

***

 وجه جميل وقلب غير وجاب

اكتبوا لها بحاجتها


وفود بكارة الهلالية

على معاوية

استأذنت بكارة الهلالية على معاوية بن أبي سفيان، فأذن لها، وهو يومئذ بالمدينة، فدخلت عليه، وكانت امرأة قد أسنت وعشي بصرها، وضعفت قوتها، ترعش بين خادمين لها، فسلمت وجلست، فرد عليها معاوية السلام، وقال:

 كيف أنت يا خالة؟ قالت:

 بخير يا أمير المؤمنين؛ قال:

 غيرك الدهر؛ قالت:

 كذلك هو ذو غير، من عاش كبر، ومن مات قبر. قال عمرو بن العاص:

 هي والله والقائلة يا أمير المؤمنين:


يا زيد دونك فاستشر من دارنا

***

 سيفاً حساماً في التراب دفينا

قد كنت أذخره ليوم كريهة

***

 فاليوم أبرزه الزمان مصونا

قال مروان:

 وهي والله القائلة يا أمير المؤمنين:


أترى ابن هند للخلافة مالكاًهيهات، ذاك وإن إراد بعيد

منتك نفسك في الخلاء ضلالة

***

 أغراك عمرو للشقا وسعيد

قال سعيد بن العاصي:

 هي والله القائلة:


قد كنت أطمع أن موت ولا أرى

***

 فوق المنابر من أمية خاطبة

فالله آخر مدتي فتطاولت

***

 حتى رأيت من الزمان عجائب

في كل يوم للزمان خطيبهم

***

 بين الجميع لآل أحمد عائباً

ثم سكتوا. فقالت:

 يا معاوية، كلاك أعشى بصري وقصر حجتي، أنا والله قائلة ما قالوا، وما خفي عليك مني أكثر؛ فضحك وقال:

 ليس يمنعنا ذلك من برك، اذكري حاجتك. قالت:

 الآن فلا.

وفود الزرقاء

على معاوية

عبيد الله بن عمرو الغساني عن الشعبي قال:

 حدثني جماعة من بني أمية ممن كان يسمر مع معاوية قالوا:

 بينما معاوية ذات ليلة مع عمرو وسعيد وعتبة والوليد، إذ ذكروا الزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الهمدانية، وكانت شهدت مع قومه صفين، فقال:

 أيحكم يحفظ كلامها؟ قال بعضهم:

 نحن نحفظه يا أمير المؤمنين؛ قال:

 فأشيروا علي في أمرها؛ فقال بعضهم:

 نشير عليك بقتلها؛ قال:

 بئس الرأي الذي أشرتم به علي، أيحسن بمثلى أن يتحدى عنه أنه قتل امرأة بعدما ظفر بها! فكتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه ما ثقة من ذوي محارمها، وعدة من فرسان قومها، وأن يمهد لها وطاء ليناً، ويسترها بستر خصيف، ويوسع لها في النفقة، فأرسل إليها فأقرأها الكتاب؛ فقالت:

 إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار إلي فإني لا آتية، وإن كان حتم فالطاعة أولى. فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به، فلما دخلت على معاوية، قال:

 مرحباً وأهلاً، قدمت خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك؟ قالت:

 بخير يا أمير المؤمنين. أدام الله لك النعمة؛ قال:

 كيف كنت في مسيرك؟ قالت:

 ربيبة بيت أو طفلاً ممهداً؛ قال:

 بذلك أمرناهم، أتدرين فيما بعثت إليك؟ قالت:

 أنى لي بعلم ما لم أعلم؛ قال:

 ألست الراكبة الجمل الأحمر، والوقفة بين الصفين يوم الصفين تحضين على القتال. وتوقدين الحرب، فما حملك على ذلك؟ قالت:

 يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعد الأمر؛ قال لها معاوية:

 صدقت. أتحفظين كلامك يوم صفين؟ قالت:

 لا والله لا أحفظه ولقد أنسيته؛ قال:

 لكني أحفظه، لله أبوك حين تقولين:

 أيها الناس، ارعووا وارجعوا، إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء، صماء بكماء؛ لا تسع لناعقها، ولا تنساق لقائدها. إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد. ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه. أيها الناس، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة العدل، ودمغ الحق باطله، فلا يجهلن أحد، فيقول:

 كيف العدل وأنى، ليقض الله أمراً كان مفعولا. ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده.

والصبر خير في الأمور عواقبا

أيهاً، في الحرب قدماً غير ناكصين ولا متشاكسين.

ثم قال لها:

 والله يا زرقاء، لقد شركت علياً في كل دم سفكه؛ قالت:

 أحسن الله بشارتك، وأدام سلامتك، فمثلك بشر بخير وسر جليسه؛ قال:

 أو يسرك ذلك؟ قالت:

 نعم والله. لقد سررت بالخبر فأنى لي بتصديق الفعل؛ فضحك معاوية وقال:

 والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك؛ قالت:

 يا أمير المؤمنين، آليت على نفسي أن لا أسأل أميراً أعنت عليه أبداً، ومثلك أعطى عن غير مسألة، وجاد من غير طلبة؛ قال:

 صدقت، وأمر لها وللذين جاؤوا معها بجوائز وكسا.


وفود أم سنان بنت خيثمة

على معاوية

رحمه الله

سعيد بن أبي حذافة قال:

 حبس مروان بن الحكم وهو والي المدينة غلاماً من بني ليث في جناية جناها، فاتته جدة الغلام أم أبيه، وهي أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية، فكلمته في الغلام، فأغلظ مروان، فخرجت إلى معاوية، فدخلت عليه فانتسب، فعرفها؛ فقال لها:

 مرحباً يا بنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا؟ وقد عهدتك تشتميننا وتحضين علينا عدونا؛ قالت:

 إن لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة، وأحلاماً وافرة؛ لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا ينتقمون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع ما سن آباؤه لأنت؛ قال:

 صدقت، نحن كذلك، فكيف قولك:


عزب الرقاد فمقلتي لا ترقد

***

 والليل يصدر بالهموم ويورد

يا آل مذحج لا مقام فشمروا

***

 إن العدو لآل أحمد يقصد

هذا علي كالهلال تحفه

***

 وسط السماء من الكواكب أسعد

خير الخلائق وابن عم محمد

***

 إن يهدكم بالنور منه تهتدوا

ما زال مذ شهد الحروب مظفراً

***

 والنصر فوق لوائه ما يفقد

قالت:

 كان ذلك يا أمير المؤمنين، وأرجو أن تكون لنا خلفاً بعده. فقال رجل من جلسائه:

 كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة:


إما هلكت أبا الحسين فلم تزل

***

 بالحق تعرف هادياً مهديا

فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت

***

 فوق الغصون حمامة قمريا

قد كنت بعد محمد خلفاً كما

***

 أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خلف يؤمل بعده

***

 هيهات نأمل بعده إنسيا

قالت:

 يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقق فيك ما ظننا فحظك الأوفر؛ والله ما ورثك الشنآن في قلوب المسلمين إلا هؤلاء، فأدحض مقالتهم، وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا، ومن المؤمنين حبا؛ قال:

 وإنك لتقولين ذلك؟ قالت:

 سبحان الله! والله ما مثلك مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا، وضمير قلوبنا؛ كان والله علي أحب إلينا منك، وأنت أحب إلينا من غيرك؛ قال:

 ممن؟ قالت:

 مروان بن الحكم وسعيد بن العاصي؛ قال:

 وبم استحققت ذلك عندك؟ قالت:

 بسعة حلمك وكريم عفوك؛ قال:

 فإنهما يطمعان في ذلك؛ قال:

 والله لقد قاربت، فما حاجتك؟ قالت:

 يا أمير المؤمنين، إن مروان تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد منها البراح. لا حكم بعدل، ولا يقضي بسنة، يتتبع عثرات المسلمين، ويكشف عورات المؤمنين، حبس ابن ابني فأتيته، فقال:

 كيت وكيت، فألقمته أخشن من الحجر، وألعقته أمر من الصاب، ثم رجعت إلى نفس باللائمة، وقلت:

 لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه، فأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظراً، وعليه معديا؛ قال:

 صدقت، لا أسألك عن ذنبه، ولا عن القيام بحجته، اكتبوا لها بإطلاقه؛ قالت:

 يا أمير المؤمنين، وأنى لي بالرجعة، وقد نفذ زادي، وكلت راحلتي. فأمر لها براحلة موطأة وخمسة آلاف درهم.

وفود عكرشة بنت الأطرش

على معاوية رحمه الله تعالى

أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال:


دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية متوكئة على عكاز لها، فلمت عليه بالخلافة، ثم جلست؛ فقال لها معاوية:

 الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت:

 نعم، إذ لا علي حي؛ قال:

 ألست المتقلدة حمائل السيف بصفين، وأنت واقفة بين الصفين تقولين:

 أيها الناس، عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، إن الجنة لا يرحل عنها من قطنها، ولا يرهم من سكنها، ولا يموت من دخلها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم، مستظهرين بالصبر على طلب حقهم؛ إن معاوية دلف إليكم بعجم العرب غلف القلوب، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكم والتواكل، فإن ذلك ينقض عرى الإسلام، ويطفئ نور الحق، هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى؛ يا معشر المهاجرين والأنصار، امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غداً، ولقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع صقع البقر وتروث روث العتاق. فكأني أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران، يقولون:

 هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة، فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر الله، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، فما حملك على ذلك؟ قالت:

 يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى:

 " يا أيها الذي آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " وإن اللبيب إذا كره أمراً لا يحب إعادته؛ قال:

 صدقت، فاذكري حاجتك؛ قالت:

 إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا، وإنا قد فقدنا ذلك فما يجبر لنا كسير، ولا ينعش لنا فقير، فإن كان ذلك عن رأيك، فمثلك من انتبه عن الغفلة، وراجع التوبة، وإن كان عن غير رأيك، فما مثلك من استعان الخونة، ولا استعمل الظلمة. قال معاوية:

 يا هذه، إنه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق، وبحور تنفهق، قالت:

 يا سبحان الله، والله ما فرض الله لنا حقاً فجعل فيه ضرراً على غيرنا وهو علام الغيوب؛ قال معاوية:

 هيهات يا أهل العراق، نبهكم علي بن أبي طالب فلن تطاقوا. ثم أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافها.


قصة دارمية الحجونية

مع معاوية رحمه الله تعالى

سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال:

 حج معاوية، فسأل عن امرأة من بني كناية كانت تنزل بالحجون، يقال لها دارمية الحجونية، وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها فجيء بها، فقال:

 ما حالك يا بنة حام؟ فقالت:

 لست لحام إن عبتني، أنا امرأة من بني كنانة؛ قال:

 صدقت، أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت:

 لا يعلم الغيب إلا الله؛ قال:

 بعثت إليك لأسألك علام أحببت علياً وأبعضتني، وواليته وعاديتني؟ قالت:

 أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال:

 لا أعفيك؛ قالت:

 أما إذ أبيت، فأني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق؛ وواليت علياً على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء، وحبه المساكين، وإعظامه لأهل الدين؛ وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى؛ قال:

 فلذلك انتفخ بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك؛ قالت:

 يا هذا، بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي، قال معاوية:

 يا هذه اربعي، فإنا لم نقل إلا خيراً، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروى رضيعها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها؛ فرجعت وسكنت. قال لها:

 يا هذه هل رأيت علياً؟ قالت:

 إي والله؛ قال:

 فكيف رأيته؟ قالت:

 رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك؛ قال:

 فهل سمعت كلامه؟ قالت:

 نعم والله، فكان يجلو القلب من العمى، كما يجلو الزيت صدأ الطست؛ قال:

 صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت:

 أو تفعل إذا سألتك؟ قال:

 نعم، قالت:

 تعطيني مائة ناقة حمراء فحلها وراعيها؛ قال:

 تصنعين بها ماذا؟ قالت:

 أغذوا بألبانها الصغر، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر؛ قال:

 فإن أعطيتك ذلك، فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت:

 ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك، يا:

 سبحان الله، أو دونه؟. فأنشأ معاوية يقول:


إذ لم أعد بالحلم مني عليكم

***

 فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم

خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد

***

 جزاك على حرب العداوة بالسلم

ثم قال:

 أما والله لو كان علي حياً ما أعطاك منها شيئاً؛ قالت:

 لا والله، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.


وفود أم الخير بنت الحريش

على معاوية

عبيد الله بن عمر الغساني عن الشعبي قال:

 كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن يحمل إليه أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقي برحلها، وأعلمه أنه مجازيه بقولها فيه بالخير خيراً وبالشر شراً. فلما ورد عليه كتابه ركب إليها فأقرأها كتابه؛ فقالت:

 أما أنا فغير زائغة عن طاعة، ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري. فلما شيعها وأراد مفارقتها، قال لها:

 يا أم الخير، إن أمير المؤمنين كتب إلي أنه مجازيني بالخير خيراً وبالشر شراً، فمالي عندك؟ يا هذا لا يطمعنك برك بي أن أسرك بباطل، ولا تؤيسك معرفتي بك أن يقول فيك غير الحق. فسارت خير مسير حتى قدمت على معاوية، فأنزلها مع الحرم، ثم أدخلها عليه في اليوم الرابع، وعنده جلساؤه؛ فقالت:

 السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته؛ فقال لها:

 وعليك السلام يا أم الخير، بحق ما دعوتني بهذا الاسم؟ قالت:

 يا أمير المؤمنين، مه، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه، و لكل أجل كتاب؛ قال:

 صدقت، فكيف حالك يا خالة؟ وكيف كنت في مسيرك؟ قالت:

 لم أزل يا أمير المؤمنين في خير وعافية حتى صرت إليك، فأنا في مجلس أنيق، عند ملك رفيق؛ قال معاوية:

 بحسن نيتي ظفرت بكم؛ قالت:

 يا أمير المؤمنين، يعيذك الله من دحض المقال وما تردي عاقبته؛ قال:

 ليس هذا أردنا، أخبرينا كيف كان كلامك إذ قتل عمار بن ياسر؟ قالت:

 لم أكن زورته قبل، ولا رويته بعد، وإنما كانت كلمات نفثها لساني عند الصدمة، فإن أحببت أن أحدث لك مقالاً عن ذلك فعلت؛ قال:

 لا أشاء ذلك. فالتفت معاوية إلى جلسائه، فقال:

 أيكم يحفظ كلامها؟ فقال رجل منهم:

 أنا أحفظ بعض كلامها يا أمير المؤمنين؛ قال:

 هات؛ قال:

 كأني بها وعليها برد زبيدي كثيف النسيج، وهي على جمل أرمك، وقد أحيط حولها، وبيدها سوط منتشر الضفيرة، وهي كالفحل يهدر في شقشقته، تقول:


يا أيها الناس، اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح لكم الحق، وأبان الدليل، وبين السبيل، ورفع العلم، ولم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمة، فأين تريدون رحمكم الله، أفراراً عن أمير المؤمنين، أم فراراً من الزحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتداداً عن الحق؟ أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول:

 " ولبيلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " . ثم رفعت رأسها إلى السماء، وهي تقول:

 اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك يا رب أزمة القلوب، فاجمع اللهم بها الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والرضي التقي؛ والصديق الأكبر، إنها إحن بدرية وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها واثب حين الغفلة، ليدرك ثارات بني عبد شمس. ثم قالت:

 قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون. صبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم، فكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام، كحمر مستنفرة، فرت من قسورة، لا تدري أين يسلك بها فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى، وعما قليل ليصبحن نادمين، حين تحل بهم الندامة، فيطلبون الإقالة ولات حين مناص، إنه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل، ألا إن أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطابوا الآخرة فسعوا لها؛ فالله الله أيها الناس، قبل أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، ويظهر الظالمون؛ وتقوى كلمة الشيطان، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبي سبطيه؟ خلق من طينته، وتفرع من نبعته، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وأبان ببغضه المنافقين، وها هو ذا مغلق الهام، ومكسر الأصنام، صلى والناس مشركون. وأطاع والناس كارهون، فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وهزم الأحزاب، وقتل الله به أهل خيبر، وفرق بن جمع هوازن. فيالها من وقائع زرعت في قلوب نفاقاً، وردة وشقاقاً، وزادت المؤمنين أيماناً، قد اجتهدت في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.

فقال معاوية:

 يا أم الخير، ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي، ولو قتلتك ما حرجت في ذلك؛ قالت:

 والله ما يسوءني أن يجري قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه؛ قال:

 هيهات يا كثيرة الفضول، ما تقولين في عثمان بن عفان رحمه الله؟ قالت:

 وما عسيت أن أقول في عثمان، استخلفه الناس وهم به راضون، وقتلوه وهم له كارهون، قال معاوية:

 يا أم الخير، هذا أصلك الذي تبينين عليه؟ قالت:

 لكن الله يشهد وكفى بالله شهيداً، ما أردت بعثمان نقصاً، ولكن كان سابقاً إلى الخير، وإنه لرفيع الدرجة غداً. قال:

 فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ قالت:

 وما عسى أن أقول في طلحة، اغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لم يحذر، وقد وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة. قال:

 فما تقولين في الزبير؟ قالت:

 وما أقول في ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ولقد كان سباقاً إلى كل مكرمة في الإسلام. وأنا أسألك بحق الله يا معاوية - فإن قريشاً تحدثت أنك أحلمها - أن تسعني بفضل حلمك، و أن تعفني من هذه المسائل وتسألني عما شئت من غيرها؛ قال:

 نعم ونعمة عين، قد أعفيتك منها، ثم أمر لها بجائزة رفيعة وردها مكرمة.


وفود أروى بنت عبد المطلب

على معاوية رحمه الله

العباس بن مكار قال:

 حدثني عبد الله بن سليمان المدني وأبو بكر الهذلي:

 أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية، وهي عجوز كبيرة، فلما رآها معاوية قال:

 مرحباً بك وأهلاً يا عمة، فكيف كنت بعدنا؟ فقالت:

 يا بن أخي، لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك، ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام، بعد أن كفرتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتعس الله منك الجدود، وأضرع منكم الخدود، ورد الحق إلى أهله، ولو كره المشركون، وكانت كلمتنا هي العليا، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان علي بن أبي طالب رحمه الله بعد نبينا صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنة وغايتكم النار. فقال لها عمرو بن العاص:

 كفى أيتها العجوز الضالة، وأقصري من قولك مع ذهاب عقلك، إذ لا تجوز شهادتك وحدك! فقالت له:

 وأنت يا بن النابغة، تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة تغني بمكة وآخذهن لأجرة؛ ادعاك خمسة نفر من قريش، فسئلت أمك عنهم، فقالت:

 كلهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فلحقت به. فقال مروان:

 كفى أيتها العجوز، واقصدي لما جئت له. فقالت:

 وأنت أيضاً يا بن الزرقاء تتكلم! ثم التفتت إلى معاوية، فقالت:

 والله ما جرأ علي هؤلاء غيرك، فإن أمك القائلة في قتل حمزة:


نحن جزيناكم بيوم بدر

***

 والحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان لي عن عتبة من صبر

***

 وشكر وحشى علي دهري

حتى ترم أعظمي في قبري

فأجابتها بنت عمي، وهي تقول:


خزيت في بدر وبعد بدر

***

 يا بنة جبار عظيم الكفر

فقال معاوية:

 عفا الله عما سلف، يا عمة، هات حاجتك؛ قالت:

 مالي إليك حاجة؛ وخرجت عنه.

الوافدات على معاوية


۞۞۞۞۞۞۞۞

 كتاب الجمانة في الوفود ﴿ 24 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞

الوافدات على معاوية


تعليقات