📁 آخر الأخبار

حسن السياسة وإقامة المملكة حسن السياسة وإقامة المملكة

 

حسن السياسة وإقامة المملكة

حسن السياسة وإقامة المملكة


كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف يأمره أن يكتب إليه بسيرته. فكتب إليه:

 إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلدت الخراج الموفر لأمانته. وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً، أعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري. وصرفت السيف إلى النطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب.

وقال أردشير لابنه:

 يا بني:

 إن الملك والعدل أخوان لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالملك أس والعدل حارس. والبناء ما لم يكن له أس فمهدوم، والملك ما لم يكن له حارس فضائع. يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب، وعطيتك لأهل الجهاد، وبشرك لأهل الدين، وسرك لمن عناه ما عناك من ذوي العقول.

وقالت الحكماء:

 مما يجب على السلطان أن يلتزمه العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي ضميره لإقامة أمر دينه. فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان ومدار السياسة كلها على العدل والإنصاف، لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما، ولا يدور إلا عليهما، مع ترتيب الأمور مراتبها وإنزالها منازلها. وينبغي لمن كان سلطاناً أن يقيم على نفسه حجة الرعية، ومن كان رعية أن يقيم على نفسه حجة السلطان. وليكن حكمه على غيره مثل حكمه على نفسه. وإنما يعرف حقوق الأشياء من يعرف مبلغ حدودها ومواقع أقدارها. ولا يكون أحد سلطان حتى يكون قبل ذلك رعية.

وقال عبد الملك بن مروان لبنيه:

 كلكم يترشح لهذا الأمر، ولا يصلح له منكم إلا من كان له سيف مسلول، ومال مبذول، وعدل تطمئن إليه القلوب.

ووصف بعض الملوك سياسته فقال:

 لم أهزل في وعد ولا وعيد، ولا أمر ولا نهي، ولا عاقبت للغضب، واستكفيت، وأثبت على الغناء لا للهوى، وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت، ووداً لم تشبه جرأة، وعممت بالقوت، ومنعت الفضول.

وذكر أعرابي أمير فقال:

 كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه، وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

 لا يصلح لهذا الأمر إلا اللين من غير ضعف، القوي من غير عنف.

وقال الوليد بن عبد الملك لأبيه:

 يا أبت ما السياسة؟ قال:

 هيبة الخاصة مع صدق مودتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع.

وكتب أرسطوطاليس إلى الإسكندر:

 أن املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منها بإحسانك هو أدوم بقاء منه باعتسافك. وأعلم أن تقول قدرت على أن تفعل، فاجتهد ألا تقول تسلم من أن تفعل.

وقال أردشير لأصحابه:

 إني إنما أملك الأجساد لا النيات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر.

وكان عمرو بن العاص يقول في معاوية:

 اتقوا أكرم قريش وابن كريمها، من يضحك في الغضب، ولا ينام إلا على الرضا، ويتناول ما فوقه من تحته.

وقال معاوية:

 إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً. فقيل له:

 وكيف ذلك؟ قال:

 كنت إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها.

وقال عمرو بن العاص رأيت معاوية في بعض أيامنا بصفين خرج في عدة لم أره خرج في مثلها، فوقف في قلب عسكره، فجعل يلحظ ميمنته فيرى فيها الخلل، فيبدر إليه من يسده؛ ثم يفعل ذلك بميسرته، فتغنيه اللحظة على الإشارة. فدخله زهو مما رأى، فقال:

 يا ابن العاص، كيف ترى هؤلاء وما هم عليه؟ فقلت:

 والله يا أمير المؤمنين، لقد رأيت من يسوس الناس بالدين والدنيا، فما رأيت أحد تأتى له من طاعة رعيته ما تأتى لك من هؤلاء. فقال:

 أفتدري متى يفسد هذا؟ وفي كم ينتقض جميعه؟ قلت:

 لا. قال:

 في يوم واحد. قال:

 فأكثرت التعجب. قال:

 إي والله، وفي بعض يوم، قلت:

 وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال:

 إذا كذبوا في الوعد والوعيد، وأعطوا على الهوى لا على الغناء، فسد جميع ما ترى.

وكتب عبد الله بن عباس إلى الحسن بن علي إذ ولاه الناس أمرهم بعد علي رضي الله عنه:

 أن شمر للحرب، وجاهد عدوك، واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم دينك، وول أهل البيوتات تستصلح بهم عشائرهم.

وقالت الحكماء:

 أسوس الناس لرعيته، من قاد أبدانها بقلوبها وقلوبها بخواطرها، وخواطرها بأسبابها من الرغبة والرهبة.

وقال أبرويز لابنه شيرويه:

 لا توسعن على جندك سعة يستغنون بها عنك، ولا تضيقن عليهم ضيقاً يضجون به منه، ولكن أعطهم عطاء قصداً، وامنعهم منعاً جميلاً، وابسط لهم في الرجاء، ولا تبسط لهم في العطاء.

ونحو هذا قول المنصور لبعض قواده:

 صدق الذي قال:

 أجع كلبك يتبعك، وسمنه يأكلك. فقال له أبو العباس الطوسي:

 أما تخشى يا أمير المؤمنين إن أجعته أن يلوح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك.


وكتب أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس:

 اعلم أن كلمة منك تسفك دما، وأخرى منك تحقن دماً، وأن سخطك سيف مسلول على من سخطت عليه، وأن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وأن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك. فاحترس في غضبك من قولك أن يخطئ، ومن لونك أن يتغير، ومن جسدك أن يخف؛ فإن الملوك تعاقب حزماً وتعفو حلماً. واعلم أنك تجل من الغضب، وأن ملكك يصغر عن رضاك، فقدر لسخطك من العقاب، كما تقدر لرضاك من الثواب.

وخطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

 أيها الناس إن للإسلام حائطاً منيعا وبابا وثيقاً، فحائط الإسلام الحق وبابه العدل. ولا يزال الإسلام منيعاً ما اشتد السلطان. وليست شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضرباً بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل.

وقال عبد الله بن الحكم:

 إنه قد يضطغن على السلطان رجلان:

 رجل أحسن في محسنين فأثيبوا وحرم، ورجل أساء في مسيئين فعوقب وعفي عنهم. فينبغي للسلطان أن يحترس منهما.

وفي كتاب التاج:

 أن أبرويز كتب لابنه شيرويه يوصيه بالرعية:

 و ليكن من تختاره لولايتك امرأ كان في ضعة فرفعته، أو ذا شرف كان مهملاً فاصطنعته. ولا تجعله امرأً أصبته بعقوبة فاتضع لها، ولا امرأً أطاعك بعد ما أذللته، ولا أحداً ممن يقع في قلبك أن إزالة سلطانك أحب إليه من ثبوته. وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثيراً إعجابه بنفسه، قليلاً تجربته في غيره؛ ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله، كما أخذت السن من جسمه.


حسن السياسة وإقامة المملكة حسن السياسة وإقامة المملكة

۞۞۞۞۞۞۞۞

 كتاب اللؤلؤة

 في السلطان ﴿ 5 ﴾ 

۞۞۞۞۞۞۞۞

حسن السياسة وإقامة المملكة حسن السياسة وإقامة المملكة

تعليقات