التحفظ من العدو إن أبدى لك المودة
التحفظ من العدو إن أبدى لك المودة
قالت الحكماء:
احذر الموتور ولا تطمئن إليه، وكن أشد ما تكون حذراً منه ألطف ما يكون مداخلة لك. فإنما السلامة من العدو بتباعدك منه، وانقباضك عنه؛ وعند الأنس إليه والثقة به تمكنه من مقاتلك.
وقالوا:
لا تطمئن إلى العدو إن أبدى لك المقاربة، وإن بسط لك وجهه وخفض لك جناحه، فإنه يتربص بك الدوائر، ويضمر لك الغوائل، ولا يرتجى صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعة إلا بسقوط جاهك.
كما قال الأخطل:
بني أمية إني ناصح لكم
***
فلا يبيتن فيكم آمناً زفر
واتخذوه عدواً إن شاهده
***
وما تغيب من أخلاقه دعر
إن الضغينة تلقاها وإن قدمت
***
كالعر يكمن حيناً ثم ينتشر
وفي كتاب الهند:
الحازم يحذر عدوه على كل حال، يحذر المواثبة إن قرب، والمعاودة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولى، والكرة إن فر.
وأوصى بعض الحكماء ملكاً فقال:
لا يكونن العدو الذي كشف لك عن عداوته بأخوف عندك من الظنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوف الرجل السم الذي هو أقتل الأشياء، وقتله الماء الذي هو محيي الأشياء؛ وربما تخوف أن تقتله الملوك التي تملكه، ثم تقتله العبيد التي يملكها.
ولم يقل أحد في العدو المندمل على العداوة؛ مثل قول الأخطل:
إن الضغينة تلقاها وإن قدمت
***
كالعرق يكمن حيناً ثم ينتشر
وقد أشار الحسن بن هانئ إلى هذا المعنى فأجاده حيث يقول:
وابن عم لا يكاشفنا
***
قد لبسناه على غمره
كمن الشنآن فيه لنا
***
ككمون النار في حجره
وشبهوا العدو إذا كان هذا فعله بالحية المطرقة. قال ابن أخت تأبط شراً:
مطرق يرشح موتاً كما
***
أطرق أفعى ينفث السم صل
وقال عبد الله بن الزبير لمعاوية - ويقال:
بل معاوية قالها لعبد الله بن الزبير - :
مالي أراك تطرق إطراق الأفعوان في أصول السخبر؟ وفي كتاب الهند:
إذا أحدث لك العدو صداقة لعلة ألجأته إليك فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء تسخنه فإذا أمسكت عنه عاد إلى أصله بارداً:
والشجرة المرة لو طليتها بالعسل لم تثمر إلا مراً.
وقال دريد بن الصمة:
وما تخفى الضغينة حيث كانت
***
ولا النظر المريض من الصحيح
وقال زهير:
وما يك في صديق أو عدو
***
تخبرك العيون عن القلوب
وقيل لزياد:
ما السرور؟ قال:
من طال في العافية والكفاية عمره، حتى يرى في عدوه ما يسره.
التحفظ من العدو إن أبدى لك المودة
۞۞۞۞۞۞۞۞
كتاب الفريدة في الحروب ومدار أمرها
﴿ 18 ﴾
۞۞۞۞۞۞۞۞