📁 آخر الأخبار
 

الإقلال الإقلال


الإقلال الإقلال

قال أَرِسْططاليس:
 الغِنَى في الغُرْبة وَطَن، والمقلّ في أهله غريب.
أخذه الشاعرُ فقال:

لَعَمْرُك ما الغريبُ بذي التنائي
***
إذا ما المرء أَعْوزَ ضاقَ ذَرْعاَ
***
 بحاجته وأَبعدَه القريب
وقال إبراهيمُ الشَّيباني:
 رأيتُ في جدار من جُدًر بيت المقدس " بيتين مكتوبين بالذَّهب:

وكُلّ مُقلٍّ حين يَغْدو لحاجةٍ
***
 إلى كُل مَن يَلْقى من النَّاس مُذْنِبُ
وكان بَنُو عَمِّي يقولون مَرْحباً
***
 فلمّا رأوْني مُقْتِراً مات مَرْحب
ومِن قَوْلنا في هذا المعنى:

اعاذِلَ قد المْتِ وَيكِ فلُومي
***
 وما بَلَغ الإشْرَاكُ ذَنْبَ عَدِيم
اقد أسْقطتْ حقّي عليك صَبابتي
***
 كما أسْقط الإفْلاسُ حقَّ غَرِيم
وأعذَرُ ما أدمى الجُفُونَ من البُكا
***
 كريمٌ رأى الدًّنيا بكفِّ لَئِيم
أرى كلّ فَدْمٍ قد تَبَحْبَح في الغِنَى
***
 وذو الظَّرف لا تَلْقاه غيرَ عَديم
قال الحسن بن هانئ:

الحمدُ للّه لَيس لي نَشَبٌ
***
 فَخَفَّ ظَهْري ومَلَّني وَلدِي
مَن نَظَرتْ عَيْنُه إليّ فَقَد
***
 أحاطَ عِلْماً بما حَوَته يَدِي
وكان أبو الشَمَقْمق الشاعر أديباً ظريفاً محارفاً صُعْلوكاً مُتبرَماً، قد لَزم بيتَه في أطْمار مَسْحوقة، وكان إذا استَفْتح عليه أحدٌ بابَه خرج فَنَظر من فُرَج الباب، فإن أعجبه الواقفُ فَتح له، وإلا سَكَت عنه. فأقبل إليه بعضُ إخوانه فدخل عليه، فلما رأى سُوء حاله، قال له:
 أبْشر أبا الشَّمَقْمق، فإنّا رَوَينا في بَعض الحديث أنّ العارين في الدنيا هم الكاسُون يومَ القيامة. قال:
 إن كان والله ما تقول حقًّا لأكونَنَّ بَزَازاً يوم القيامة، ثم أنشأ يقول:

أنا في حالٍ تعالى الل
***
 ه ربِّي أيّ حالِ
ولقد أهزلت حتى
***
 محت الشَّمسُ خَيالي
مَن رَأى شَيْئاً مُحالاَ
***
 فأنَا عَين المحال
لَيس لي شيءٌ إذا قي
***
 ل لِمَنْ ذا قلتُ ذا لي
ولقد أفلستُ حتّى
***
 حَلَّ أكلي لِعيَالَي
في حِرام النَّاس طُرًّا
***
 مِن نِسَاء ورجال
لو أرَى في النَّاس حُرًّا
***
 لَم أكنْ في ذا المِثَال
وقال أيضاً:

أتُراني أرَى من الدَّهر يوماً
***
 ليَ فيه مَطِيَّة غيرُ رِجْلي
ًكلّما كُنتُ في جَميع فقالوِا
***
 قًرِّبُوا للرَّحيل قَرًبتُ نَعْلِى
حيثُما كنت لا أخَلِّف رَحْلا
***
 مَن رآني فقد رآني ورَحْلي
وقال أيضاً:

لو قد رأيتَ سَرِيري كنتَ تَرْحمني
***
 الله يَعلم ما لي فيه تَلْبيسُ
واللّه يَعلم ما لي فيه شابكةٌ
***
 إلا الحَصيرة والأطْمار والدِّيسُ
وقال أيضاً:

بَرَزت من المَنازل والقِباب
***
 فلم يَعْسُر على أحدٍ حِجَابي
فمنزليَ الفضاءُ وَسقفُ بَيْتي
***
 سماءُ الله أو قِطَع السَّحاب
فأنتَ إذا أردتَ دَخَلتَ بَيتي
***
 عليّ مُسَلماً من غَيْر باب
لأنِّي لم أجد مِصراعَ باب
***
 يكونُ من السَّحاب إلى التُّراب
ولا انشَقَّ الثرى عن عُود تَخْتٍ
***
 أؤمِّل أنْ أشُدّ به ثِيابي
ولا خِفتُ الإبَاقَ على عَبِيدي
***
 ولا خِفْتُ الهلاك على دَوَابي
ولا حاسَبْتُ يوماً قَهْرماناً
***
 مُحاسبةً فأَغْلَظ في حِسابي
وفي ذا راحةٌ وفَراغُ بالٍ
***
 فَدابُ الدَّهرِ ذا أبداً ودَابي
وفي كتاب للهِنْد:
 ما التَّبَع والإخْوان والأهلُ والأصدقاء والأعوان والحَشم إلا مع المال، وما أرى المُروءة يُظهرها إلا المال، ولا الرّأيَ والقُوّة إلا بالمال، ووجدتُ مَن لا مَالَ له إذا أراد أن يتناول أمراً قَعد به العُدْم، فيبقى مقَصرأً عما أراد، كالماء الذي يَبْقى في الأوْدية من مَطر الصَّيف فلا يَجْري إلى بحر ولا نهر، بل يَبْقى مكانَه حتى تَنشَفَه الأرضُ، ووجدتُ مَن لا إخوانَ له لا أهلَ له، ومَن لا وَلد له لا ذِكر له، ومَن لا عَقْل له لا دُنيا له ولا آخرةَ له، ومَن لا مال له لا شيءَ له؛ لأن الرجل إذا افتقر رَفَضَه إخوانُه وقَطعه ذوو رَحمه، وربما اضطرتْه الحاجة لِنفْسه وعياله إلى التماس الرِّزق بما يُغَرِّر فيه بدينه ودُنياه، فإذا هو قد خَسِر الدُّنيا والآخرةَ، فلا شيء أشدُّ من الفقر. والشَّجَرةُ النابتة على الطريق المأْكولة من كلِّ جانب أمثلُ حالاً من الفقير المُحتاج إلى ما في أيْدي الناس، والفَقرُ داعٍ صاحِبَه إلى مقْت الناس، ومُتْلِف للعَقْل والمُروءة، ومُذْهب لِلعلْم والأدب، ومَعْدن للتُّهمة، ومَجْمَع للبَلايا. ووجدتُ الرجلَ إذا افتقر أساء به الظنَّ مَن كان له مُؤْتمناً، وليس مِن خَصلة هي للغنيِّ مَدْح وزَيْن إلا وهي للفَقِير ذَمٌ وشَيْن، فإن كان شُجاعاً قيل أهْوج، وإن كان جَواداَ قيل مُفْسد، وإن كان حَليماً قيل ضَعيف؛ وإن كان وَقُوراً قيل بليد، وإن كان صَمُوتاً قيل عَي، وإن كان بليغاً قيل مِهْذار. فالموت أهونُ من الفقر الذي يَضْطر صاحبَه إلى المسألة، ولا سيَّما مسألة اللئام؛ فإنَّ الكريم " لو كُلِّفَ " أن يدخل يده في فَم تنِّين ويْخرجَ منه سُمًّا فيَبْتَلِعَه، كان أخفَّ عليه من مسألة " البَخيل اللئيم.
الإقلال الإقلال

۞۞۞۞۞۞۞۞
 كتاب الياقوتة في العلم والأدب ﴿ 103 ﴾ 
۞۞۞۞۞۞۞۞
الإقلال الإقلال


تعليقات